ظاهر كلامه أنّ ذلك مقدّمة مستقلّة لا أنّه متفرّع على ما ادّعاه أولا ، وحينئذ فنقول: إنّه إن ثبت ما استظهره في المقام فلا حاجة الى ضمّ المقدّمة الاولى ولا الثالثة ؛ إذ مع ثبوت الاكتفاء في بنائهما بالاتفاق في اللفظ يتمّ ما ادّعاه من الاستعمال فيما يزيد على المعنى الواحد.
ثمّ إنّ ما استظهره من الاكتفاء بالاتفاق في اللفظ غير ظاهر ، ومعظم أهل العربية ذهبوا الى المنع منه ، والظاهر المتبادر منهما في العرف هو الفردان أو الأفراد من جنس واحد، بحيث لا يكاد يشكّ في ذلك من تأمّل في الإطلاقات.
وأيضا قد أشرنا سابقا الى أنّ الظاهر أنّ لعلامتيّ التثنية والجمع وضعا حرفيا مغايرا لوضع مدخوليهما ، كما هو الحال في وضع التنوين ، فهي حروف غير مستقلّة لفظا ومعنى لا حقة لتلك الالفاظ ، لإفادة معاني زائدة حاصلة في مدخوليهما ، كما هو الحال في وضع سائر الحروف فلا يكون مفادها منافيا لما يستفاد من مدخولها فعلى هذا ينبغي أن يكون التعدّد المستفاد منها غير مناف للوحدة الملحوظة في مفردها على ما ادّعاه ، فاذا جعلنا التعدّد المستفاد من تلك العلامات بالنظر الى حصول ذلك المعنى في ضمن فردين أو أفراد ـ كما هو الظاهر ـ فلا منافاة بينهما أصلا ، ولا إشارة فيهما إذن الى تعدّد نفس المعنى.
وأمّا على ما ذكره من إفادة التعدّد مطلقا فالمنافاة ظاهرة فيما لو كان التعدّد بسبب الاختلاف في نفس المعنى ، وأيضا لو اريد المعنيان أو المعاني المتعدّدة من المفرد المدخول لتلك العلامات كان التعدّد مستفادا من المفرد بنفسه ، فلا تكون العلامة اللاحقة مفيدة لمعنى جديد على نحو غيرها من الحروف اللاحقة ، فإنّها إنّما وضعت لبيان حالات لاحقة لمدخولها أو متعلّقها ممّا لا يستفاد ذلك إلّا بواسطتها ، كما في : «سرت من البصرة الى الكوفة» لدلالة «من» و «الى» على الابتداء والانتهاء ، وهما حالان لمدخوليهما أو لمتعلّقهما.
وربما يتكلّف لتصحيح ذلك بما مرّت الإشارة اليه ، إلّا أنّه لا يلائم ظاهر كلام المصنّف ، كما عرفت وسنشير اليه إن شاء الله تعالى.