قلت : الظاهر أنّ محلّ النزاع في المقام هو جواز استعمال اللفظ فيما وضع له وغير ما وضع له على النحو المفروض في المشترك من غير ملاحظة كونه مجازا اصوليا أو بيانيا ، وكون اللفظ حينئذ حقيقة أو مجازا حيث جعلوا ذلك نزاعا ثانيا ، والقائل بالمنع يمنع من ذلك مطلقا ، والمجوّز يجوّزه سواء كان ذلك مجازا أو لا ، وما استند اليه المانع من أنّ المجاز ملزوم قرينة معاندة للحقيقة معروف بين أرباب الاصول أيضا ، لما يلهجون به من توقّف المجاز على القرينة الصارفة ، فليس ذلك في كلام علماء البيان خاصّة وإن اشتهرت تلك العبارة بينهم.
نعم ، استشهاده في المقام بكلام البيانيين ليس في محلّه ، وهو ناش من الخلط بين الاصطلاحين ، وأخصيّة الشاهد عن المدّعى لا يقضي بتخصيص الدعوى.
مع أنّه من الواضح دوران الأمر في المقام مدار استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له وغيره في مقابلة استعمال المشترك في المعنيين.
فتخصيص كلام المانع بخصوص المجاز المصطلح عند أرباب البيان في غاية البعد ، كيف! ولو جاز ذلك عندهم في غيره لأشاروا اليه وبيّنوا أنّه لا منع من جهة الاستعمال في المعنيين المفروضين وإنّما المنع في خصوص فرض مخصوص اقتضاه الاصطلاح ، وهو ما إذا حصلت القرينة المعاندة بالمعنى المذكور في الاستدلال ، ولا كلام إذن في المنع.
وأيضا لو كان منظور المجيز جواز اجتماع الأمرين في الكناية لكان استنادهم في الجواز الى وجود الكناية المتّفق عليها عند أرباب الاصول والبيان أولى ، وكان ذلك دليلا قاطعا على جواز الاستعمال في المعنيين وإن لم يسمّ اللفظ حينئذ مجازا في اصطلاح البيانيين مع اندراج الكناية حسب ما ذكره في المجاز الاصولي من غير ظهور خلاف فيه.
مضافا الى أنّه لا وجه حينئذ لما وقع من الخلاف بين المجوّزين في كون الاستعمال المذكور مجازا أو حقيقة ومجازا لاندراج الكناية في المجاز في