والحاصل : أنّ المقصود في المقام أنّ وقوع التكليف به ـ مع استحالة صدوره منه إمّا لكونه تكليفا بالمحال على ما زعموه وجوّزوه ، أو لعدم قضاء استحالته بعدم القدرة عليه ، نظرا الى أنّ المحال بالاختيار لا ينافي الاختيار إنّما هو مع عدم إرادة صدور الفعل من المكلّف، نظرا الى استحالة إرادة الحكيم واقعا صدور المحال ولو بالغير ، بل لو ذكر استحالة إرادته واقعا لما يعلم انتفاؤه وعدم حصوله إذ لا أقلّ في إرادة الشيء من احتمال حصوله ـ كفى في المقام ، وقد عرفت أنّ ما ذكر في الجواب لا يدفع شيئا من ذلك.
ثمّ إنّ ما ذكر من كون المحال المذكور حاصلا من فرض العلم ... الى آخر ما ذكر غير متّجه على إطلاقه ؛ فإنّ فرض الشيء قد يجامع وقوع المفروض وضرورة وقوعه ، وقد يكون فرضا غير واقع أو غير لازم ، وعدم قضاء استحالة الشيء على فرض باستحالته في الواقع إنّما هو في الثاني دون الأوّل ، كما هو الحال في المقام ضرورة وجود الفرض المذكور وضرورة وقوعه ، فكيف يمكن معه الحكم بعدم استحالة ملزوم خلافه؟!.
فالأولى في الجواب عنه منع المقدّمة الثانية وهو استحالة تعلّق الإرادة بالمحال على سبيل الكلّية ، إذ لا مانع من تعلّق الإرادة التكليفية بالمستحيل بالاختيار ، فكما أنّ استحالته بالاختيار لا يمنع من كونه اختياريا متعلّقا للقدرة فلا مانع أيضا من تعلّق الإرادة التكليفية بإيقاعه.
وقد يناقش فيه بأنّ المانع من تعلّق الإرادة بالمحال هو عدم إمكان وقوعه في الخارج ولو بتوسّط الأسباب الباعثة عليه ، وذلك ممّا لا يفترق الحال فيه بين كونه مستحيلا بالاختيار أو الاضطرار. وفيه تأمّل.
وأمّا الوجه الثاني فبأنّ الداعي من فعل العبد ليس بخلقه تعالى ذلك في العبد حتّى يستدعي خلقه له إرادة لازمة أعني الكفر.
ويرد عليه أنّ خلق الداعي وإن كان من فعل العبد والعبد هو السبب فيه ، لكن العبد من فعل الله تعالى ومسبّب عنه ، فغاية الأمر أن يكون خلق السبب البعيد منه