وقد ظهر ممّا قرّرنا أنّ المقصود في المقام اتّحاد الطلب مع الإرادة من حيث حصولها به ، لا اتّحادهما بحسب المفهوم كما قد يتراءى من ظاهر كلامهم.
وأنت خبير بأنّ الإلزام فعل من الأفعال مغاير للإرادة ، غاية الأمر أن ينضمّ اليها ، فلا فائدة في الجواب المذكور لدفع الاحتجاج ، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
وعلى الثالث أنّ الأوامر الامتحانية إنّما هي في صورة الأمر وليست بأوامر على الحقيقة ، فكما أنّ الإرادة هناك منتفية فكذا الطلب ، وكما لا يريد العاقل ما هو مبغوض عنده فكذا لا يطلبه.
وفيه كلام يأتي الإشارة اليه إن شاء الله تعالى.
وعلى الرابع المنع من جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، بل المختار امتناعه كذا ذكروه.
وفيه : أيضا تأمّل ، كما يظهر الوجه فيه في محلّه إن شاء الله تعالى ، وسنشير اليه أيضا في المقام إن شاء الله تعالى.
هذا ، والّذي يقتضيه التحقيق في المقام أن يقال : إنّ هناك إرادة لصدور الفعل من الغير بحسب الواقع ، واقتضاء بحسب الخارج لإيقاعه الفعل بإلزامه به أو ندبه اليه ، ومن البيّن أنّ الثاني لا يستلزم الأوّل وإن كان الظاهر صدور الاقتضاء على طبق الإرادة الواقعية ، لظهور إلزام المأمور بالفعل مثلا في كون ذلك الفعل محبوبا للآمر مرادا له بحسب الواقع ، إلّا أنّه مع العلم بالتخلّف لا يخرج الاقتضاء عن حقيقته.
فنقول : إنّ ظاهر ما حكي عن الأصحاب والمعتزلة من كون الطلب عين الإرادة هو القول بوضع الأمر لخصوص المعنى الأوّل ، فمعناه الموضوع له هو إرادة إيقاع المأمور به من المأمور بحسب الواقع ، وهذا هو الّذي يستفاد منه بحسب وضع اللغة ، فإذا اريد به ذلك كان حقيقة مستعملا فيما وضع له ، وإن لم يرد به ذلك فقد استعمل في غير ما وضع له.