ولو بالنظر الى ظاهر الإطلاق من جهة قضاء الأصل إذن بإرادته ، فلو قام هناك قرينة على عدم الإرادة لم يكن دالّا عليه ، بل على ما دلّت القرينة على إرادته.
وهو أيضا كما ترى ؛ إذ لا قصور حينئذ في دلالة اللفظ على نفس المعنى ، لوضوح الاكتفاء في حصولها بالوضع والعلم به وإنّما تمنع القرينة من دلالته على إرادة ذلك المعنى.
ومع الغضّ عن ذلك فهو لا يوافق ما احتجّوا به على ذلك في المقام من انتفاء المايز بين الصيغة إذا كانت طلبا أو تهديدا إلّا الإرادة ، بل لا يوافق الاحتجاج المذكور ظاهر ما عنون به الدعوى ، فإنّ الإرادة المذكورة في الاحتجاج إنّما يراد بها إرادة المطلوب كما هو الظاهر ، والإرادة المأخوذة في العنوان إنّما هي إرادة الطلب.
هذا ، وقد ذكر في المقام نزاع آخر ، وهو أنّ الأمر بم يصير أمرا؟ وقد ذكروا هناك أقوالا عديدة :
منها : ما حكي عن السيّد المرتضى رحمهالله من أنّه يصير أمرا بالإرادة ، وعزي ذلك الى محقّقي المعتزلة ، واختاره المحقّق في المعارج.
ومنها : ما حكي عن الأشاعرة من أنّها تكون أمرا بالوضع من غير اشتراط بالإرادة.
فإن اريد بذلك توقّف كونه أمرا على إرادة الطلب فلا يكون أمرا بدونها ، فهو من الامور الظاهرة ، ولا مجال لإنكاره ، ولا يظنّ أنّ أحدا يخالف فيه ، كما هو الشأن في سائر الألفاظ لكون الإرادة هي المخصّصة لها بمعانيها حقيقية كانت أو مجازية ، وإن كان الوضع كافيا في حملها على معانيها الحقيقيّة والحكم بإرادتها من غير حاجة الى قيام دليل آخر عليها فيعود النزاع إذن لفظيا ، حملا لكلام الأشاعرة على الاكتفاء في ذلك بظاهر الوضع.
وإن اريد توقّفه على إرادة المطلوب بمعنى أنّ الصيغة إنّما تكون أمرا إذا اريد بها من المأمور إيقاع الفعل دون ما إذا لم يرد ذلك.