كأنّه دفع لما قد يقال من أنّه لا توبيخ ولا ذمّ في الآية الشريفة ؛ إذ ليس ما ذكر إلّا استفهاما عن علّة الترك ، وهو يصحّ مع كون الأمر المتروك واجبا أو مندوبا ، وأمّا الطرد والإبعاد المترتّب عليه فقد يكون من جهة العلّة الداعية له على الترك ، إذ قد يكون ترك المندوب على وجه محرّم بل باعث على الكفر.
فأجاب بأنّ الاستفهام في المقام ليس على حقيقته ، لاستحالته عليه تعالى ، فيراد به معناه المجازي ، وهو في المقام للتوبيخ والإنكار.
ويرد عليه أنّه لا يتعيّن الأمر حينئذ في كون الاستفهام إنكاريا ، لاحتمال أن يكون للتقرير ، والمقصود إبداؤه العلّة الّتي بعثته على ترك السجود وإقراره بها حتّى يتمّ الحجّة عليه ، فلا دلالة في الاستفهام على ذمّه وتوبيخه ، ولا في طرده وإبعاده بعد إقراره بكون العلّة فيه ما ذكره على ترتّبه على مجرّد تركه ليفيد المدّعى.
وما يقال من : أنّ الاستكبار من إبليس لم يكن على الله تعالى ليكون محرّما بل على آدم عليهالسلام ، فيرجع بالنسبة الى الله تعالى الى محض المخالفة التبعية الغير المقصودة بالذات المولّدة من المخالفة الحاصلة من الحميّة والعصبيّة ، وهذه شيء ربما يعدّ من تبعها في عداد المقصّرين.
مدفوع بأنّ الترك الصادر من إبليس قد كان على جهة الإنكار ، وكان استكباره على آدم عليهالسلام باعثا على إنكاره رجحان السجود ، ولا شكّ إذن في تحريمه ، بل بعثه على الكفر، فهناك امور ثلاثة إباء للسجود ، واستكبار على آدم عليهالسلام ، وإنكار لرجحان السجود المأمور به من الله تعالى ، بل دعوى قبحه لاشتماله على تفضيل المفضول ، ولا ريب في بعثه على الكفر كما لو أنكر أحد أحد المندوبات الثابتة بضرورة الدين ، وكأنّ في قوله تعالى: (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)(١) إشارة الى الامور الثلاثة ، فليس عصيانه المفروض مجرّد ترك الواجب ، بل معصية باعثة على الكفر سيّما بالنظر الى ما كان له من القرب والمكانة وغاية العلم والمعرفة.
__________________
(١) البقرة : ٣٤.