وأمّا الثانية فلقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) الآية (١).
ويورد عليه تارة بالمنع من كون ترك المأمور به مطلقا عصيانا بل إنّما يكون ترك المأمور به على سبيل الوجوب عصيانا ولا دلالة في الآيات المذكورة وغيرها على الإطلاق المذكور ، إذ إضافة العصيان الى الأمر إنّما تقضي بتحقق العصيان بترك المأمور به في الجملة لا أنّ كلّ ترك للمأمور به عصيان كما هو المدّعى.
ويدفعه أنّ ظاهر إطلاق الآيات المذكورة وغيرها تحقّق العصيان بمخالفة أيّ أمر كان ، لا خصوص بعض أقسامه سيّما الآية الثانية.
وتارة بأنّ قضية تلك الآيات وغيرها تحقّق العصيان بترك المأمور به دون مخالفة الصيغة ولا ملازمة بين الأمرين ، فأقصى ما يفيده الحجّة المذكورة دلالة مادّة الأمر على الوجوب وهو غير المدّعى.
ويدفعه ما عرفت من أنّ الصيغة المطلقة الصادرة من العالي أو المستعلي تسمّى أمرا في العرف واللغة ، وهو كاف في المقام.
وثالثا : بالمنع من كون كلّ عاص متوعّدا بالعذاب والآية المذكورة لا دلالة فيها على ذلك ، لاشتمالها على التوعّد بالخلود وهو مختصّ بالكفّار ، كما دلّت عليه الأدلّة.
وما اجيب عنه من أنّ المراد بالخلود المكث الطويل ليس بأولى من التزام التخصيص في الموصول ، مع ما تقرّر من رجحان التخصيص على المجاز.
والقول بأنّ البناء على التخصيص في المقام يوجب خروج أكثر الأفراد ـ للزوم إخراج جميع المعاصي عنه سوى الكفر ، والتزام التجوّز أولى منه ، إذ هو على فرض جوازه بعيد ، حتّى ذهب كثير إلى المنع منه ـ مدفوع بأنّا لا نخصّصه إلّا بأهل الإيمان ، فالباقي أضعاف الخارج.
__________________
(١) سورة الجنّ : ٢٣.