يتمّ في الإخبارات وأمّا الإنشاءات فيمتنع تخلّف المدلول عنها ، كما هو معلوم من ملاحظة التمنّي والترجّي والنداء وغيرها ، فلو كان مدلول الأمر هو وجوب الفعل بمعنى كونه على وجه يستحقّ تاركه الذمّ لم يمكن تخلّفه عنه.
ويمكن دفعه بأنّ الإنشاء وإن لم يكن يتخلّف مدلوله عنه عند استعمال اللفظ فيه لكون اللفظ هناك آلة لإيجاد معناه إلّا أنّه ليس مفاد الأمر بناء على تفسير الوجوب بالمعنى المعروف إيجاد ذلك الوجوب في الخارج ، بل مفاده حينئذ هو إنشاء إيجاده على حسب جعل الجاعل ، وهو لا يستلزم وجوده في الخارج إلّا مع اقتدار الجاعل على إيجاده في الخارج بمجرّد الإنشاء المذكور.
ألا ترى أنّه لو صدر منه إنشاء الوجوب بنحو قوله : «أوجبت عليك الفعل» مريدا به الوجوب المصطلح كان اللفظ مستعملا في ذلك مع عدم تفرّع الوجوب عليه في الخارج إلّا مع حصول ما يتوقّف وجوده عليه.
ويوضح الحال فيما ذكرناه ملاحظة الأمر التكويني الصادر عن غير القادر على الجعل والإيجاد ، فإنّ مفاد الأمر الصادر منه ومن القادر عليه بمجرّد التوجّه اليه واحد ، إلّا أنّه لا يتفرّع الوجود على إنشائه المفروض ويتفرّع على إنشاء الآخر ويجري نحو ذلك أيضا في غيرها من الإنشاءات ، كما في إنشاء البيع والإجارة والنكاح ونحوها ، فإنّ الإنشاء المفروض حاصل في البيوع الصحيحة والفاسدة ، فالإنشاء في جميع المذكورات إنّما يتعلّق بالذات بالأمر النفسي دون الخارجي ، فإن اجتمع شرائط وجوده الخارجي تفرّع عليه ذلك وإلّا فلا.
قوله : (والتحقيق : أنّ النقل المذكور ... الخ)
قد عرفت ممّا قرّرناه اتّجاه الجواب الأوّل ، ويؤيّده ملاحظة استقراء سائر الألفاظ ، إذ لا يعرف لفظ يختلف معناه الموضوع له بحسب اختلاف المتكلّمين به مع عدم اختلاف العرف ، بل لا يعرف ذلك في سائر اللغات أيضا ، وعلى فرض وقوعه في اللغة فهو نادر جدّا ، وذلك كاف في إثبات اتّحاد معنى الصيغة في المقامين حسب ما مرّت الإشارة اليه.