قلت : لا شكّ في حصول الإطاعة بأداء ما ثبت وجوبه في الشرع ، وكذا في حصول العصيان بتركه وإن لم يكن مطابقا للواقع ، لكن نقول : إنّ كلّا من الطاعة والمعصية قد يحصل بالإتيان بما هو مطلوب الآمر على جهة الوجوب أو تركه مثلا ، وقد يحصل بأداء ما يعتقد كونه كذلك من الطريق الّذي قرّره الشارع أو بتركه كذلك مع انتفاء المطابقة. إلّا أنّ هناك فرقا بين الصورتين ؛ وذلك أنّه كما يكون فعل المأمور به وترك المنهيّ عنه مطلوبا للآمر مرادا له كذا الإتيان بما يعتقده طاعة من حيث إنّه طاعة وترك المخالفة من حيث إنّها كذلك مطلوب لديه ؛ لما دلّ من الدليل القاطع أو المنتهي إليه على الرجوع إلى الطريق المفروض ، فإذا فرض موافقة ما أتى به للواقع كان الحسن فيه من جهتين ، وكذا القبح في صورة المخالفة، ومع انتفاء المطابقة فلا حسن ولا قبح إلّا من الجهة الأخيرة كما هو الحال في التكاليف الاختبارية ، فإنّ الحسن أو القبح فيها ليس إلّا من جهة تعلّق الأمر أو النهي بحسب الظاهر ؛ فكما أنّه بعد انكشاف الحال يظهر أن لا وجوب ولا تحريم للفعل في نفسه كذا في المقام وإن حصل الامتثال أو العصيان من جهة الموافقة أو المخالفة المفروضة ، فإذا انكشف الخلاف تبيّن عدم الإتيان بما هو مطلوب الآمر ، فيجب تداركه بالإعادة أو القضاء على فرض ثبوت القضاء فيه ؛ وكذا الحال لو كان الاشتباه في الموضوع.
فالحال في التكاليف الظاهريّة للمجتهد من جهة اشتباهه في الأحكام نظير الحال في التكاليف الاختباريّة. ومن التأمّل في ذلك يتّضح حقيقة المرام في المقام ، وليست التكاليف الاختباريّة تكاليف صوريّة مجازيّة خالية عن حقيقة التكليف ، كما يظهر من جماعة من الأعلام ، وسيجيء بيانه في المحلّ اللائق به.
فصار المحصّل أنّ الواجب أو الحرام الواقعي هو ما كان مطلوبا للشارع أو مبغوضا له في نفسه ، والظاهري هو ما يكون كذلك بحسب اعتقاد المكلّف ، نظرا إلى الطريق الذي قرّره المكلّف له وأوجب الأخذ به من حيث كونه موصلا إلى الواقع ، فإن تطابقا فقد اجتمع الحكمان وإلّا حصل الافتراق من الجانبين ؛ فالحكم