وبيانه بتوضيح منّا : أنّ الحلّيّة الثابتة للزبيب قبل الغليان غير قابلة للبقاء ، ولا يجري فيها الاستصحاب ؛ لوجود أصل حاكم عليه ، وذلك لأنّ الحلّيّة في العنب كانت مغيّاة بالغليان ؛ إذ الحرمة فيه كانت معلّقة على الغليان ، ويستحيل اجتماع الحلّيّة المطلقة مع الحرمة على تقدير الغليان كما هو واضح.
وأمّا الحلّيّة في الزبيب فهي وإن كانت متيقّنة إلّا أنّها مردّدة بين أنّها هل هي الحلّيّة التي كانت ثابتة للعنب بعينها حتّى تكون مغيّاة بالغليان أو أنّها حادثة للزبيب بعنوانه ، فتكون باقية ولو بالاستصحاب؟ والأصل عدم حدوث حلّيّة جديدة وبقاء الحلّيّة السابقة المغيّاة بالغليان ، وهي ترتفع به فلا تكون قابلة للاستصحاب ، فالمعارضة المتوهّمة غير تامّة.
ونظير ذلك ما ذكرناه في بحث استصحاب الكلّي من أنّه إذا كان المكلّف محدثا بالحدث الأصغر ورأى بللا مردّدا بين البول والمني فتوضّأ ، لم يمكن جريان استصحاب كلّي الحدث ؛ لوجود أصل حاكم عليه ، وهو أصالة عدم حدوث الجنابة وأصالة عدم تبدّل الحدث الأصغر بالحدث الأكبر ، والمقام من هذا القبيل بعينه (١).
والتحقيق : أنّه ليس في كلام صاحب الكفاية رحمهالله من أصالة عدم حدوث الحلّيّة الجديدة أثر ولا خبر ، وقد لاحظناه بدقّة بل حاصل كلامه : أنّ الشكّ في حرمة الزبيب وحلّيّته بعد الغليان هو الشكّ في بقاء الحرمة المعلّقة والحلّيّة المغيّاة ، ويمكن جريان استصحابهما ، ونتيجة جريانهما أنّ الزبيب بعد الغليان يكون محرّما بالحرمة الفعليّة ، وإن كان هذا لازما عقليّا إلّا أنّ ترتّبه على الأعم من الظاهري الواقعي لا إشكال فيه ، فتترتّب على استصحاب الحرمة التعليقيّة
__________________
(١) مصباح الاصول ٣ : ١٤٢.