مسألة إمضائيّة لدى الشارع لما هو المعمول به عند العقلاء ، وقوله : «القرعة لكلّ أمر مشكل» ناظر إلى الموارد التي تمسّك العقلاء بها بقرينة الروايات ، منها : ما إذا كانت الحقوق متزاحمة بدون أي طريق لتشخيص الحقّ وفصل الخصومة سوى القرعة ، كما إذا ادّعى شخصان لملكيّة شيء في يد ثالث ـ مثلا ـ فيستفاد من القرعة لرفع الجهل عن الواقع المعيّن.
ومنها : ما يستفاد منها في مقام تقسيم الأموال بين الورثة ورفع النزاع المحتمل ، ومن هنا نستكشف أنّ القرعة ليست بأمارة ؛ إذ لا واقعيّة مجهولة في البين حتّى تكون هى أمارة لها وكاشفة عنها ، بل يستعملها العقلاء لمحض رفع النزاع والخصام ، فليس في جميع الموارد المنصوصة إلّا ما هو الأمر العقلائي.
نعم ، يبقى مورد واحد هو قضيّة اشتباه الشاة الموطوءة ممّا لا يمكن الالتزام بها في أشباهها ، فلا بدّ من الالتزام فيه بالتعبّد في المورد الخاصّ لا يتجاوز منه إلى غيره.
ويمكن أن يقال : إنّ التعبّد في هذا المورد أيضا إنّما يكون لأجل تزاحم حقوق الشياه لنجاة البقية كما أشار إليه في النصّ بقوله : «فإن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتّى يقع السهم بها ، فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها» (١).
وربما يحتمل أن يكون مورده من قبيل تزاحم حقوق أرباب الغنم فإنّ قطيع الأغنام يكون من أرباب متفرّقين غالبا فتتزاحم حقوقهم.
وبالجملة ، من تتبّع موارد النصوص والفتاوى يظهر له أنّ مصبّ القرعة ليس إلّا ما أشرنا إليه (٢).
__________________
(١) الوسائل ١٦ : ٣٥٨ ، الباب ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرمة ، الحديث ١.
(٢) الاستصحاب : ٣٨٤ ـ ٣٩٤.