إِلهاً ، وَأَنَّهَا عُمْرَانٌ ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ؟! ».
قَالَ : فَاغْتَنَمْتُهَا مِنْهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا مَنَعَهُ ـ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ ـ أَنْ يَظْهَرَ لِخَلْقِهِ ، وَيَدْعُوَهُمْ إِلى عِبَادَتِهِ حَتّى لَايَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ؟ وَلِمَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ؟ وَلَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ.
فَقَالَ لِي : « وَيْلَكَ ، وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي نَفْسِكَ؟! نُشُوءَكَ (١) وَلَمْ تَكُنْ ، وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ ، وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ ، وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ ، وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ ، وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ ، وَرِضَاكَ بَعْدَ غَضَبِكَ ، وَغَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ ، وَحَزَنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ ، وَفَرَحَكَ بَعْدَ حَزَنِكَ ، وَحُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ ، وَبُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ ، وَعَزْمَكَ بَعْدَ أَنَاتِكَ (٢) ، وَأَنَاتَكَ (٣) بَعْدَ عَزْمِكَ ، وَشَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ (٤) ، وَكَرَاهَتَكَ (٥) بَعْدَ شَهْوَتِكَ ، وَرَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ ، وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ ، وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ ، وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ ، وَخَاطِرَكَ (٦) بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهْمِكَ ، وَعُزُوبَ (٧) مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ
__________________
(١) عند المازندراني : « نشوك ». وهو منصوب بدلاً من « قدرته » ، أو مرفوع خبراً لمبتدأ محذوف يعود إليها ، وهو « هي ». انظر : شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٢٩ ، مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٤٧.
(٢) في التوحيد والتعليقة للداماد ، ص ١٧٥ : « إبائك » بمعنى الامتناع. وقال : « وفي بعض نسخ كتاب التوحيد للصدوق : « بعد إيبائك ، على مصدر باب الإفعال بمعنى الإباء أيضاً ، ولا يتصوّبه فريق من علماء العربيّة ». وقال الفيض في الوافي : « وفي توحيد الصدوق : « إينائك » وهذا دليل النون ؛ لأنَّ الإيباء بمعنى الامتناع خطأ بخلاف الإيناء بمعنى التأخّر ». وفي « بف » : « أنائك ». وقال المجلسي في مرآة العقول : « وربّما يقرأ بالنون والهمزة ، أي « أنائك » بمعنى الفتور والتأخّر والإبطاء ». وفي حاشية « ض » : « أنأتك ».
و « الأناة » اسم من تأنّى في الأمر ، أي ترفّق وتنظّر ، أي عامله بلطف ، وانتظره في مهلة. وأصل الهمزة الواو من الوَنَى بمعنى الضعف والفتور. انظر : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٢٧٣ ( أنو ) وص ٢٥٣١ ( ونى ).
(٣) في « بف » : « إناؤك ». وفي حاشية « ض » : « أنأتُك ». وفي التوحيد : « إباءك ».
(٤) في « ب » والوافي : « كراهيتك ».
(٥) في « ب » والوافي : « كراهيتك ».
(٦) « الخاطر » : الواقع والحاصل في الذهن ، وقد يطلق على الذهن ، والمراد هنا هو الشعور والإدراك ؛ بقرينة تعديته بالباء. انظر : لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٤٩ ( خطر ).
(٧) « العزوب » : الغيبة والبعد. انظر : الصحاح ، ج ١ ، ص ١٨١ ( عزب ).