وبالجملة : أنّ ما اختاره صاحب الفصول قدسسره والمحقّق الخراساني قدسسره في مفاد الرّوايات تكلّف ، لا يساعده ظهور الرّوايات صدرا وذيلا ، بل المنساق المتبادر منها هو بيان الحكم الظّاهريّ فقط والنّظر إلى قاعدتي الطّهارة والحلّيّة ، كما أنّ المنساق المتبادر من قوله عليهالسلام : «الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنّه قذر هو الطّهارة الظّاهريّة بملاحظة الشّكّ ، لا الاستصحاب والحكم ببقاء الطّهارة السّابقة إلى زمن العلم بالنّجاسة ، خلافا للشّيخ الأنصاري قدسسره حيث قال : بأنّ الرّواية تفيد الاستصحاب بتقريب ، أنّ طهارة الماء معلومة بحسب أصل الخلقة ، لا تكون الرّواية بصدد بيانها ، فالمراد منها هو الاستصحاب والحكم بالبقاء والاستمرار. (١)
وإن شئت ، فقل : إنّ الحكم بطهارة الماء في الرّواية لا يكون مستندا إلى اليقين بطهارته السّابقة حتّى يكون استصحابا ، بل هذه الحكم ، إنّما هو لأجل الشّكّ فقط ، فيكون ظاهريّا.
بقي هنا شيء ، وهو أنّ مقتضى أدلّة حجّيّة الاستصحاب وهي الصّحاح الثّلاث المتقدّمة الّتي هي العمدة في المقام ، هو حجّيّته مطلقا بلا اختصاص بباب دون باب ، ولكن لبعض الأصحاب تفاصيل في الباب ، لا حاجة بنا إلى نقل جميعها ونقدها ، بل نكتفي على نقل ثلاثة منها ونقدها.
الأوّل : ما اختاره المحقّق قدسسره (٢) من التّفصيل بين الشّكّ في المقتضي وبين الشّكّ في الرّافع بالالتزام بحجّيّة الاستصحاب في الشّكّ في الرّافع دون الشّكّ في المقتضي ،
__________________
(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ٣ ، ص ٧٧.
(٢) راجع ، معارج الاصول : ص ٢٠٩ و ٢١٠.