بالتّضييق ، كحكومة أدلّة الضّرر أو الحرج أو العسر من أدلّة أحكام العناوين الثّانويّة على أدلّة أحكام العناوين الأوّليّة ، فمثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا ضرر ولا ضرار» (١) يكون حاكما على قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) فيرفع الوجوب عن الوضوء الضّرريّ وكذا الحرج والعسر ، وهذا القسم إنّما هو من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، كما أنّ القسم الثّالث إثبات للحكم بلسان إثبات الموضوع.
إذا عرفت تلك المقدّمة ، فنقول : إنّه لا مجال لحكومة الأمارات على الاصول كلّها الّتي منها الاستصحاب ؛ وذلك ، لأنّ الحكومة ، على ما عرفت آنفا ، إنّما تأتّي إذا كان دليل الحاكم بمدلوله اللّفظيّ ناظرا ومتعرّضا لحال دليل المحكوم شارحا مفسّرا له ، توسعة وإدراجا أو تضييقا وإخراجا ، سواء في عقد وضعه أو في عقد حمله ، وواضح ، أنّه لا نظر ولا تعرّض لأدلّة حجّيّة الأمارات اللّفظيّة من الآية والرّواية إلى أدلّة الاصول إلّا بتكلّف وتمحّل ، بل لا دليل لحجّيّتها إلّا السّيرة وبناء العقلاء ، والآيات والرّوايات إرشادات إليها ، ولا ريب ، أنّ بناء العقلاء دليل لبّيّ لا لسان له حتّى يكون ناظرا إلى أدلّة الاصول وشارحا مفسّرا لها ، كما لا يخفى ، فإذا لا بدّ من الالتزام بورود الأمارات على الاصول كلّها ، عقلية كانت أو شرعيّة.
أمّا العقليّة ـ كأصالة البراءة العقليّة والاحتياط والتّخيير العقليّين ـ فلأنّ الموضوع فيها إمّا يكون عدم البيان ـ كما في البراءة ـ أو احتمال العقاب ـ كما في الاحتياط ـ أو عدم المرجّح لأحد طرفي التّخيير ـ كما في التّخيير ـ وكلّ ذلك يرتفع
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١٢ ، كتاب التّجارة ، الباب ١٧ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ ، ص ٣٦٤.