هذا تمام الكلام في مقتضى الرّوايات ، وقد عرفت أنّ فيها احتمالات ثلاث.
واختار المحقّق الخراساني قدسسره تقديم الاحتمال الأوّل وهو التّخيير على الآخرين من التّوقّف والتّرجيح ، ولذا حمل قدسسره الطّائفة الثّالثة وهي أخبار التّرجيح على خلاف ظاهرها من كونها في مقام تخيير الحجّة عن اللّاحجّة ، أو استحباب ترجيح حجّة ذات مزيّة على حجّة فاقدة لها ، مستدلّا لذلك بوجوه ، عمدتها هو أنّ تلك الأخبار لو حملت على وجوب التّرجيح لزم تخصيصها بغير الرّواية المشهورة.
تقريب ذلك : أنّ موافقة الكتاب أو مخالفة العامّة لو كانتا من المزايا المرجّحة ، لزم تقديم الخبر المشهور وإن كان مخالفا للكتاب ، على الخبر الشّاذ النّادر وإن كان موافقا له ، حيث إنّ التّرجيح بالشّهرة متقدّم على التّرجيح بهما حسب مفاد المقبولة ، وعليه ، فيلزم خروج الخبر المشهور عن مثل قوله عليهالسلام : «ما خالف قول ربّنا لم نقله» ، وتخصيص هذا الكلام بغير مورد الخبر المشهور مع أنّه آب عن التّخصيص قطعا وبلا شبهة ، فلا مناص إذا من حمل تلك الرّوايات على تمييز الحجّة عن اللّاحجّة ، أو على استحباب التّرجيح. (١)
ولا يخفى : أنّ مقتضى التّحقيق في المسألة هو التّخيير ؛ إذ الرّوايات الدّالّة على التّوقف محمولة على صورة التّمكن من لقاء الإمام عليهالسلام دون غيره ، وأمّا روايات التّرجيح فما ادّعاه المحقّق الخراساني قدسسره من أنّها محمولة على تمييز الحجّة عن اللّاحجّة هو الصّحيح. نعم ، لا مجال لما ادّعاه قدسسره من حملها على استحباب التّرجيح ؛ إذ لا يناسب هذا الحمل مع قوله عليهالسلام : «ما خالف قول ربّنا لم نقله» حيث إنّ معنى ذلك هو
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٣٩١ إلى ٣٩٦.