جعله رسول الله مؤذّناً بقبا ، فلمّا مات رسول الله وترك بلال الأذان نقل أبو بكر سعد القرظ هذا إلى مسجد رسول الله ، فلم يزل يؤذّن فيه إلى أن مات ، وتوارث عنه بنوه الأذان فيه إلى زمان مالك وبعده أيضاً .
وقيل : إنّ الذي نقله من قبا إلى المدينة للأذان هو عمر بن الخطّاب .
وقال يونس بن يزيد عن الزهري : أخبرني حفص بن عمر بن سعد أنّ جدّه كان يؤذّن على عهد رسول الله لأهل قبا حتّى انتقله عمر بن الخطّاب في خلافته وأذّن له بالمدينة في مسجد النبيّ صلىاللهعليهوآله (١) .
وبما أنّ أبا محذورة كان يؤذّن بمكّة وسعد القرظ بقبا ـ كما قالوا ـ فقد انحصر الأذان بالمدينة ببلال الحبشي وابن أُمّ مكتوم .
وحيث ثبت عن بلال أذانه بـ « حيّ على خير العمل » وعدم تأذينه للشيخين ، وأنّ الأخيرين أتيا بسعد القرظ من قبا ـ لما امتنع بلال من الأذان لهما ـ كي يؤذّن في مسجد النبيّ ، فمعنى كلّ ذلك : أنّ بلال الحبشي لم يؤذّن بـ « الصلاة خير من النوم » التي ابتُدِعَت في عهد الشيخين ، والتي تبنّاها الأمويون لاحقاً . وأنت قد وقفتَ في الكتاب الأوّل من هذه المجموعة « حيَّ على خير العمل الشرعية والشعارية » على أنّ الأذان بهاتين « الحيعلة الثالثة والتثويب » صارت شعاراً سياسيّاً للحكومات التي تلت عصر الرسالة .
فالحكومات الموالية لأهل البيت عليهمالسلام كانت تجهر بالحيعلة الثالثة في أذانها مع توضيح معناها بأنّها تعني الولاء محمّداً وآل محمّد .
______________________
(١) تهذيب الكمال ١٠ : ٢٧٦ .