أمّا الحكومات السنّية فقد كانت تكتفي برفع الحيعلة الثالثة وتصرّ على الإتيان بالتثويب مكانها في الصبح خاصّة .
فلا يستبعد بعد هذا أن تُنسب إلى بلال أُمور لم يقلها دعماً لموقفهم الفقهي .
بل الأنكى والأشدّ من كلّ ذلك هو إصرارهم على جعل بلال مؤذّن الليل ناقلين عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قوله : إنّ بلالاً يؤذّن بليل ، فكلوا واشربوا حتّىٰ يؤذّن ابن أُمّ مكتوم فأمسكوا . هذا ما حكاه النووي في « المجموع » قائلاً : ولم يكن بينهما إلّا أن ينزل هذا ويرقى هذا ، رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عمر وعائشة ، وهذا لفظ مسلم (١) .
قالوا بذلك وهم يعلمون بكراهة أذان الأعمى وأنّ بلالاً هو المؤذّن لرسول الله في جميع الأوقات ، فلماذا يبعدونه عن الأذان في الصبح خاصّة ؟!
إنّ وراء هذا شيئاً يجب كشفه وتوضيحه .
في « التلخيص الحبير ، المطبوع مع المجموع » : حديث أنّ النبيّ كان له مؤذّنان بلال وابن أُمّ مكتوم ، متّفق عليه من حديث القاسم عن عائشة .
وروى ابن السكن والبيهقي من حديث عائشة أنّه كان له ثلاثة مؤذّنين ، ذكراهما بزيادة أبي محذورة .
وجمع بينهما البيهقي بأنّ الأوّل المراد به بالمدينة ، والثاني المراد به بانضمام مكّة .
قلت : وعلى هذا كان ينبغي أن يصيروا أربعة ، لأنّ سعد القرظ كان يؤذّن له بقبا حسب بعض الأخبار .
______________________
(١) المجموع ٣ : ١٠٥ .