وقال أبو يوسف القاضي (ت ١٨٢ هـ) : التثويب بين الأذان والإقامة لا تجعله في صلب الأذان (١) .
وبهذا ترى أنّ أبا حنيفة وتلميذيه لا يعتقدان بشرعية « الصلاة خير من النوم » في الأذان الشرعي ، ومعناه : أنّ التثويب كان يُؤتى به للأذان الاول ـ قبل الفجر ـ لا لأذان الفجر ، ثمّ أُدخل تدريجاً شيئاً فشيئاً في أذان الفجر ، وذلك لاتحاد التعليل مع العلة ـ عند الفقهاء !! ـ ، لأنّ ما عللوه للأذان الأول قبل الفجر بأنّه شرّع لإيقاظ النائم وتنبيه الغافل ، يتفق مع تعليل وضع جملة « الصلاة خير من النوم » لإيقاظ النائمين ، ويؤيد هذا ما قيل في كراهة التثويب في غير الفجر ، واختصاص الفجر بأذانين ، وهو ما فهمناه من نصوص الحنفية .
أمّا الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت ٢٠٤ هـ) فكان يذهب في القديم إلى القول بها جرياً مع فهم جمهور الناس لها ، لكن لمّا أتضح له عدم حكاية أبي محذورة التثويبَ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله رجع عن رأيه في الجديد بقوله : « أكره الزيادة في الأذان وأكره التثويب بعده » .
أمّا الإمام مالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) فقد استدلَّ على شرعية التثويب برواية أبي محذورة ، لكنه حصر التثويب في « الاولى من الصبح » ، وحيث نعلم بأنّ الجمهور خصوا الفجر بأذانين : الاول لإيقاظ النائم ، والثاني للفجر الصادق ، فيكون معنى كلام مالك بن أنس هو قوله بعدم ثبوتها لأذان الصبح ، وذلك لتخصيصه بـ « الاولى من الصبح » ، أي إن هذا الأذان مشروع للأذان الاول في الليل لا للصبح .
______________________
(١)