مما يعرض من المطعوم والمشروب ، ا. ه. فإن قيل ما الحكمة في قوله تعالى في الخمر : (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) ولم يقل في اللبن لم يتغير طعمه للطاعمين ، ولا قال في العسل مصفى للناظرين. أجاب الرازي : بأنّ اللذة تختلف باختلاف الأشخاص فرب طعام يلتذ به شخص ، ويعافه الآخر. فقال : لذة للشاربين بأسرهم ، ولأنّ الخمر كريهة الطعم في الدنيا فقال : لذة أي : لا يكون في خمر الآخرة كراهة الطعم. وأمّا الطعم واللون فلا يختلف باختلاف الناس ، فإنّ الحلو والحامض وغيرهما يدركه كل أحد لكن قد يعافه بعض الناس ، ويلتذ به البعض مع اتفاقهم على أنّ له طعما واحدا. وكذلك اللبن فلم يكن للتصريح بالتعميم حاجة.
فائدة : روي عن كعب الأحبار أنه قال : نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ونهر الفرات نهر لبنهم ونهر مصر نهر خمرهم ونهر سيحان وجيجان نهر عسلهم وهذه الأنهار الأربعة ، تخرج من نهر الكوثر وقال ابن عبد الحكم في فتوح مصر : إن كعب الأحبار سئل هل تجد لهذا النيل في كتاب الله عزوجل خبرا فقال : أي والذي فلق البحر لموسى إني لأجده في كتاب الله تعالى أنّ الله عزوجل يوحي إليه في كل عام مرتين يوحى إليه عند جريه أنّ الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله تعالى له ثم يوحى إليه بعد ذلك يا نيل غر حميدا وعن كعب أيضا أنه قال : أربعة أنهر من الجنة ، وضعها الله تعالى في الدنيا فالنيل : نهر العسل في الجنة ، والفرات : نهر الخمر في الجنة ، وسيحان : نهر الماء في الجنة ، وجيحان : نهر اللبن في الجنة» وعنه أيضا أنه قال : النيل في الآخرة يكون عسلا أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عزوجل ودجلة في الآخرة لبنا ، أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عزوجل ، والفرات خمرا أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عزوجل ، وجيجان ماء أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عزوجل وأصل هذا كله ما في الصحيح في وصف الجنة عن أبي هريرة «أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة» (١).
ولما كانت الثمار ألذ مستطاب بعد منافع الشراب قال تعالى : (وَلَهُمْ فِيها) وقوله تعالى : (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) فيه وجهان أحدهما : أنّ هذا الجار صفة لمقدر ، ذلك المقدر مبتدأ ، وخبره الجار قبله ، وهو لهم وفيها متعلق بما تعلق به والتقدير ولهم فيها زوجان من كل الثمرات كأنه انتزعه من قوله تعالى (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) وقدّره بعضهم صنف والأوّل كما قال ابن عادل أليق ثانيهما أن (مِنْ) مزيدة في المبتدأ.
(وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) فهو راض عنهم مع إحسانه إليهم بما ذكر ، بخلاف سيد العبيد في الدنيا فإنه قد يكون مع إحسانه إليهم ساخطا عليهم وقوله تعالى : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) خبر مبتدأ مقدّر أي : أمن هو في هذا النعيم ، كمن هو مقيم إقامة لا انقطاع معها في النار التي لا ينطفئ لهيبها ، ولا ينفك أسيرها ، ووحده لأنّ الخلود يعم من فيها على حدّ سواء ، (وَسُقُوا) أي : عوض ما ذكر من شراب أهل الجنة (ماءً حَمِيماً) هو في غاية الحرارة (فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) أي :
__________________
(١) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٢٨٣٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٨٩ ، ٤٤٠ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح ٥٦٢٨ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ٣٧ ، والقرطبي في تفسيره ١٣ / ١٠٤ ، والمتقي الهندي في كننز العمال ٣٥٣٤٠.