ويميت ويرزق ويعزّ قوما ويذل قوما ويشفي قوما ويفرج مكروبا ويجيب داعيا ويعطي سائلا ويغفر ذنبا إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء. وروى البغوي : عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : «إنّ مما خلق الله عزوجل لوحا من درّة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكلماته نور ينظر الله تعالى فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعزّ ويذلّ ويفعل ما يشاء» (١) ، فذلك قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ.)
وقال سفيان بن عيينة : الدهر كله عند الله تعالى يومان أحدهما : اليوم الذي هو مدّة عمر الدنيا فشأنه فيه أي : في كل يوم من أيامها الأمر والنهي والإماتة والإحياء والاعطاء والمنع ، والثاني : يوم القيامة وشأنه فيه الجزاء والحساب والثواب والعقاب. وقال أبو سليمان الداراني : في هذه الآية له في كل يوم إلى العبيد برّ جديد.
وقال بعض المفسرين : شأنه تعالى أنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر عسكرا من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمّهات ، وعسكرا من الأرحام إلى الدنيا ، وعسكرا من الدنيا إلى القبور ثم يرتحلون جميعا إلى الله تعالى. وقيل : نزلت في اليهود حين قالوا إنّ الله لا يقضي يوم السبت شيئا.
وسأل بعض الملوك وزيره عن هذه الآية فاستمهله إلى الغد وذهب كئيبا يتفكر فيها ، فقال له غلام أسود : يا مولاي أخبرني ما أصابك لعل الله تعالى يسهل لك على يدي ؛ فأخبره فقال : أنا أفسرها للملك فأعلمه فقال أيها الملك شأن الله تعالى أن يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحيّ ، ويشفي سقيما ، ويسقم صحيحا ، ويبتلي معافى ، ويعافي مبتلى ، ويعز ذليلا ، ويذل عزيزا ، ويفقر غنيا ، ويغني فقيرا ، فقال الأمير : أحسنت ، وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة ، فقال : يا مولاي هذا من شأن الله تعالى.
وعن عبد الله بن طاهر : أنه دعا الحسين بن الفضل وقال له أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشف لي قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [المائدة : ٣١] وقد صح أنّ الندم توبة. وقوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) وصح أنّ القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة وقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] فمعناه ليس له إلا ما يسعى فما بال الأضعاف؟ قال الحسين : يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة ، ويكون في هذه الأمة لأنّ الله تعالى خص هذه الأمة بخصائص لم تشاركهم فيها الأمم. وقيل : إنّ ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله ، وأما قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) فمعناه أنه ليس له إلا ما يسعى عدلا ولي أن أجزيه بواحدة ألفا فضلا ، وأما قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فإنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها ؛ فقام عبد الله : فقبل رأسه وسوغ خراجه.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) المدبر لكما هذا التدبر العظيم (تُكَذِّبانِ) أي : أبتلك النعم أم بغيرها؟.
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ) أي سنقصد لحسابكم وجزائكم ؛ وقرأ حمزة والكسائي : بعد السين بالياء التحتية والباقون بالنون (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) أي : الإنس والجنّ وذلك يوم القيامة فإنه تعالى لا يفعل ذلك
__________________
(١) أخرجه البغوي في تفسيره ٤ / ٣٣٥ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٧٥.