مما مضى أنّ لكلّ فرد من الخائفين منها جنتين ، فصح الجمع ؛ وقال الزمخشري فيهنّ في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجنى ، أو في الجنتين لاشتمالهما على أماكن وقصور ومجالس ا. ه. قال أبو حيان : وفيه أي : الأوّل بعد لأن الاستعمال أن يقال على الفراش كذا ، ولا يقال في الفراش كذا إلا بتكلف ولذلك جمع الزمخشري مع الفرش غيرها حتى صح له أن يقول ذلك ؛ وقيل يعود على الجنتين لأن أقل الجمع اثنان وقال الفراء كل موضع في الجنة جنة فلذلك صح أن يقال فيهنّ (قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي : الأعين على أزواجهنّ المتكئين من الأنس والجنّ.
قال الرازي وقوله قاصرات الطرف أي نساء وأزواج فحذف الموصوف لنكتة وهي أنه تعالى لم يذكرهنّ باسم الجنس وهو النساء بل بالصفات ، فقال تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ) [الواقعة : ٢٢](وَكَواعِبَ أَتْراباً) [النبأ : ٣٣](قاصِراتُ الطَّرْفِ حُورٌ مَقْصُوراتٌ) [الرحمن : ٧٢] ولم يقل : نساء عربا ولا نساء قاصرات لوجهين : أما على عادة العظماء كبنات الملوك إنما يذكرن بأوصافهنّ ؛ وإما لأنهنّ لما كملن كأنهنّ خرجن عن جنسهنّ.
وقوله تعالى : (قاصِراتُ الطَّرْفِ) يدلّ على عفتهنّ وعلى حسن المؤمنين في أعينهنّ فيحببن أزواجهنّ حبا شديد يشغلهنّ عن النظر إلى غيرهم. قال ابن زيد : تقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة أحسن منك فالحمد الله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجك ، ويدلّ أيضا على الحياء لأن الطرف حركة الجفن والحيية لا تحرّك جفنها ولا ترفع رأسها.
تنبيه : انظر إلى حسن هذا الترتيب فإنه تعالى بين أولا : المسكن وهو الجنة ، ثم بين ما يتنزه به وهو البستان والأعين الجارية ، ثم ذكر المأكول فقال تعالى : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) ثم ذكر موضع الراحة بعد الأكل وهو الفراش ، ثم ذكر ما يكون في الفراش معه.
ولما كان الاختصاص بالشيء من أعظم الملذذات لا سيما المرأة قال تعالى (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) أي : لم يجامعهنّ ويتسلط عليهنّ ؛ يقال طمثت المرأة كضرب وفرح حاضت ، وطمثها الرجل افتضها ، وأيضا جامعها (إِنْسٌ قَبْلَهُمْ) أي : المتكئين (وَلا جَانٌ) فكأنه قال : هنّ أبكار لم يخالطهنّ أحد فإنّ هذا جمع كلّ من يمكن منه جماع ، وفي ذلك دليل على أنّ الجني يغشى كما يغشى الإنسي ويدخل الجنة ويكون لهم فيها جنتان ، قال ضمرة : للمؤمنين منهم أزواج من الحور فالإنسيات للإنس والجنيات للجنّ ، وقال مقاتل لأنهنّ خلقن في الجنة فعلى قوله يكونون من حور الجنة ؛ وقال الشعبي : من نساء الدنيا لم يمسسهن منذ أنشئن خلق وهو قول الكلبي. أي : لم يجامعهنّ في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان ؛ وأمّا في الدنيا فقال مجاهد : إذا جامع الرجل ولم يسمّ ينطوي الجني على إحليله فيجامع معه. وقال القرطبي : لم يطمثهن لم يصبهنّ بالجماع قبل أزواجهنّ أحد ، وهذا شامل لنساء الجنة ولنساء الدنيا بعد إنشائهنّ خلقا جديدا ، وقرأ الكسائي : يطمثهنّ بضم الميم في الموضعين بخلاف عنه وتخييرا في أحدهما ، وهما لغتان : يقال طمثها يطمثها ويطمثها إذا جامعها.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) المدبر مصالحكما (تُكَذِّبانِ) أي : بأي نوع من أنواع هذا الإحسان أم غيره.
(كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ) أي : صفاء (وَالْمَرْجانُ) أي : اللؤلؤ بياضا ، والياقوت جوهر نفيس يقال