وبلفظ أصحاب اليمين عند ذكر الإنعام؟ أجيب : بأن ذلك تفنن في العبارة والمعنى واحد (فِي سِدْرٍ) أي : شجر نبق (مَخْضُودٍ) أي : لا شوك فيه كأنه خضد شوكه أي : قطع ونزع منه ؛ قال ابن المبارك : أخبرنا صفوان عن سليم بن عامر قال : كان أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقولون : إنا لينفعنا الأعراب ومسائلهم ؛ قال : أقبل أعرابي يوما فقال : يا رسول الله لقد ذكر الله تعالى في القرآن شجرة مؤذية ، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وما هي؟» قال : السدر فإن له شوكا مؤذيا ؛ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أو ليس يقول سدر مخضود خضض الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها تنبت ثمرا على اثنين وسبعين لونا من الطعام ما فيه لون يشبه الآخر» (١) ؛ وقال أبو العالية والضحاك : نظر المسلمون إلى وج وهو واد بالطائف مخصب فأعجبهم سدره فقالوا يا ليت لنا مثل هذا فنزلت. قال أمية بن أبي الصلت يصف الجنة وما فيها (٢) :
إن الحدائق في الجنان ظليلة |
|
فيها الكواعب سدرها مخضود |
قال مجاهد : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) هو الموقر حملا الذي تنثني أغصانه كثرة حمله من خضض الغصن إذا ثناه وهو رطب ؛ وقال سعيد بن جبير : ثمرها أعظم من القلال (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) أي : منظوم بالحمل من أعلاه إلى أسفله ليست له ساق بارزة متراكم يتركب بعضه على بعض على ترتيب هو في غاية الإعجاب ، والطلح جمع الطلحة ؛ قال عليّ وابن عباس رضى الله عنهم وأكثر المفسرين : الطلح شجر الموز واحده طلحة ؛ وقال الحسن : ليس هو موزا ولكنه شجر له ظل بارد رطب ؛ وقال الفرّاء وأبو عبيدة : شجر عظيم كثير الشوك والطلح كل شجر عظيم له شوك ؛ وقال الزجاج : هو شجر أم غيلان ؛ قال مجاهد : ولكن ثمرها أحلى من العسل ، وقال الزجاج : لها نور طيب جدّا خوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله إلا أنّ فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا ؛ وقال السدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل ؛ وقال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيدة ثمر كله كلما أكلت ثمرة عاد مكانها أحسن منها (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) أي : دائم لا يزول ولا تنسخه الشمس لقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) [الفرقان : ٤٥] كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ؛ وقيل : الظل ليس ظلّ أشجار بل ظلّ يخلقه الله تعالى ، قال الربيع بن أنس رضى الله عنه : يعني ظلّ العرش ؛ وقال عمرو بن ميمون رضى الله عنه : مسيرة سبعين ألف سنة ؛ وقال أبو عبيدة : تقول العرب للدهر الطويل والعمر الطويل والشيء الذي لا ينقطع ممدود قال الشاعر (٣) :
غلب العزاء وكان غير مغلب |
|
دهر طويل دائم ممدود |
وفي صحيح الترمذي وغيره ، عن أبي هريرة رضى الله عنه : عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ، واقرؤوا إن شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ» (٤) في هذا
__________________
(١) أخرجه بنحوه السيوطي في الدر المنثور ٦ / ١٥٦ ،
(٢) البيت من الكامل ، وهو في ديوان أمية بن أبي الصلت ص ٢٩.
(٣) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٤) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٨٨١ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٩٢ ، والدارمي في الرقاق حديث ٢٨٣٨.