الملكوت (يُحْيِي) أي : له صفة الإحياء فيحيي ما شاء من الخلق بأن يوجده على صفة الحياة كيف شاء في أطوار يقلبها كيف شاء ومما شاء (وَيُمِيتُ) أي : له هاتان الصفتان على سبيل الاختيار والتجدد والاستمرار فهو قادر على البعث بدليل ما ثبت له من صفة الإحياء (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) أي : من الإحياء والإماتة وغيرهما من كل ممكن (قَدِيرٌ) أي : بالغ القدرة.
(هُوَ) أي : وحده (الْأَوَّلُ) بالأزلية قبل كل شيء فلا أوّل له ، والقديم الذي منه وجود كل شيء ، وليس وجوده من شيء لأنّ كل ما نشاهده متأثر لأنه متغير وكل ما كان كذلك فلا بدّ له من موجد غير متأثر ولا متغير (وَالْآخِرُ) أي : بالأبدية الذي ينتهي إليه وجود كل شيء في سلسلة الترقي وهو بعد فناء كل شيء باق فلا آخر له ، لأنه يستحيل عليه نعت العدم لأنّ كل ما سواه متغير وكل ما تغير بنوع من التغير جاز إعدامه وما جاز إعدامه فلا بدّ له من معدم يكون بعده ولا يمكن إعدامه (وَالظَّاهِرُ) أي : الغالب العلي على كل شيء (وَالْباطِنُ) أي : العالم بكل شيء هذا معنى قول ابن عباس ، وقال يمان : هو الأوّل القديم والآخر الرحيم والظاهر الحكيم والباطن العليم ؛ وقال السدي : هو الأول ببره إذ عرفك توحيده والآخر بجوده إذ عرفك التوبة على ما جنيت والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له والباطن بستره إذ عصيته فستر عليك ؛ وقال الجنيد : هو الأول بشرح القلوب والآخر بغفران الذنوب والظاهر بكشف الكروب والباطن بعلم الغيوب ؛ وسأل عمر كعبا عن هذه الآية فقال : معناها أن علمه بالأوّل كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي : لكون الأشياء عنده على حد سواء والبطون والظهور إنما هو بالنسبة إلى الخلق ، وأما هو سبحانه وتعالى فلا باطن من الخلق عنده بل هم في غاية الظهور لديه لأنه الذي أوجدهم.
فإن قيل : ما معنى هذه الواوات؟ أجيب : بأنّ الواو الأولى : معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية ؛ والثالثة : أنه الجامع بين الظهور والخفاء ، وأمّا الوسطى : فعلى أنه الجامع بين الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الآخريين فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والحاضرة والآتية وهي في جميعها ظاهر وباطن جامع للظهور بالأدلة والخفاء فلا يدرك بالحواس ؛ قال الزمخشري : وفي هذا حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة وهذا على رأيه الفاسد وهو على رأي المعتزلة المنكرين رؤية الله تعالى في الآخرة ؛ وأما أهل السنة فإنهم يثبتون الرؤية للأحاديث الدالة على ذلك من غير تشبيه ولا تكييف تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ؛ وعن سهل قال : كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول : اللهمّ ربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم ربنا ورب كل شيء ، فالق الحبّ والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شرّ كل شيء أنت آخذ بناصيته ، اللهمّ أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من فضلك. وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم (١).
(هُوَ) أي : وحده (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ) وجمعها لعلم العرب بتعددها (وَالْأَرْضَ) أي : الجنس الشامل للكل وأفردها لعدم توصلهم إلى العلم بتعدّدها وقال تعالى : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي:
__________________
(١) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٧١٣.