أذلوا وقال أبو عبيدة والأخفش : أهلكوا ، وقال قتادة : أخذوا ، وقال أبو زيد : عذبوا ، وقال السدي : لعنوا ، وقال الفراء : أغيظوا يوم الخندق. وقيل : يوم بدر (كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : المحادّين المخالفين رسلهم كقوم نوح ومن بعدهم ممن أصرّ على العصيان.
قال القشيريّ : ومن ضيع لرسول الله صلىاللهعليهوسلم سنة أو أحدث في دينه بدعة انخرط في هذا السلك (وَقَدْ أَنْزَلْنا) أي : بما لنا من العظمة عليكم وعلى من قبلكم (آياتٍ بَيِّناتٍ) أي : دلالات عظيمة هي في غاية البيان لذلك ولكل ما يتوقف عليه الإيمان كترك المحادّة وتحصيل الإذعان (وَلِلْكافِرِينَ) أي : الراسخين في الكفر بالآيات أو بغيرها من أوامر الله تعالى : (عَذابٌ مُهِينٌ) بما تكبروا واعتدوا على أولياء الله تعالى وشرائعه يهينهم ذلك العذاب ويذهب عزهم وشماختهم ويتركون به محادتهم.
وقوله تعالى : (يَوْمَ) منصوب باذكر كما قاله الزمخشري قال : تعظيما لليوم أو بلهم أي بالاستقرار الذي تضمنه لوقوعه خبرا أو بفعل مقدّر قدّره أبو البقاء يهانون أو يعذبون أو استقرّ ذلك يوم (يَبْعَثُهُمُ اللهُ) أي : الملك الأعظم (جَمِيعاً) أي : حال كونهم مجتمعين ، الكافرين المصرّح بهم والمؤمنين المشار إليهم الرجال والنساء أحياء كما كانوا لا يترك منهم أحد ، وقيل : مجتمعين في حال واحد (فَيُنَبِّئُهُمْ) أي : يخبرهم إخبارا عظيما مستقصى (بِما عَمِلُوا) تخجيلا وتوبيخا وتشهيرا لحالهم (أَحْصاهُ اللهُ) أي : أحاط به عددا وكما وكيفا وزمانا ومكانا بما له من صفات الكمال والجلال (وَنَسُوهُ) لأنهم تهاونوا به حيث ارتكبوه ولم يبالوا به لضراوتهم بالمعاصي وإنما تحفظ معظمات الأمور أو لخروجه عن الحدّ في الكثرة فكيف كل واحد على انفراده (وَاللهُ) أي : بما له من القدرة الشاملة والعلم المحيط (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) أي : على الإطلاق (شَهِيدٌ) أي : حفيظ حاضر لا يغيب ورقيب لا يغفل.
ثم إنه تعالى أكد بيان كونه عالما بكل المعلومات فقال جل ذكره :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣))
(أَلَمْ تَرَ) أي : تعلم علما هو في وضوحه كالرؤية بالعين (أَنَّ اللهَ) أي : الذي له صفات الكمال كلها (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) كلها (وَما فِي الْأَرْضِ) كذلك كليات ذلك وجزئياته لا