في مثله أو من قول الأطباء أو لمشقة شديدة تلحقه بالصوم أو بولائه ولو كانت المشقة لشدّة شهوة الوطء أو خوف زيادة مرض (فَإِطْعامُ) أي : فعليه إطعام (سِتِّينَ مِسْكِيناً) أي : من قبل أن يتماسا حملا للمطلق على المقيد بأن يملك كل مسكين من أهل الزكاة مدّا من جنس الفطرة كبر وشعير وأقط ولبن فلا يجزئ لحم ودقيق وسويق ، وخرج بأهل زكاة غيره فلا يجزئ دفعها لكافر ولا لهاشميّ ومطلبيّ ولا لمواليهما ولا لمن تلزمه مؤنته ولا لرقيق ، لأنها حق الله تعالى فاعتبر فيها صفات الكمال.
(ذلِكَ) أي : الترخيص العظيم لكم والرفق بكم والبيان الشافي من أمر الله الذي هو موافق للحنيفية السمحة ملة أبيكم إبراهيم عليهالسلام (لِتُؤْمِنُوا) أي : ليتحقق إيمانكم (بِاللهِ) أي : الملك الذي لا أمر لأحد معه فتطيعوا بالانسلاخ عن أمر الجاهلية (وَرَسُولِهِ) أي : الذي تعظيمه من تعظيمه.
ولما رغب في هذا الحكم رهب في التهاون به بقوله تعالى : (وَتِلْكَ) أي : هذه الأحكام العظيمة المذكورة (حُدُودُ اللهِ) أي : أوامر الملك الأعظم ونواهيه التي يجب امتثالها والتعبد بها لترعى حق رعايتها فالتزموها وقفوا عندها ولا تعدوها ، فإنه لا يطاق انتقامه إذا تعدّى نقضه وإبرامه (وَلِلْكافِرِينَ) أي : العريقين في الكفر بها أو بشيء من شرائعه (عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : بما آلموا المؤمنين به من الاعتداء فإن عجز عن جميع خصال الكفارة لم تسقط الكفارة عنه بل هي باقية في ذمته إلى أن يقدر على شيء منها ، فإذا قدر عل خصلة من خصالها فعلها ، ولا يتبعض العتق ولا الصوم بخلاف الإطعام حتى لو وجد بعض مدّ أخرجه ، إلا لأنه لا بدل له وبقي الباقي في ذمته.
قال الزمخشري : فإن قلت فإذا امتنع المظاهر من الكفارة هل للمرأة أن تدافعه قلت لها ذلك وعلى القاضي أن يجبره على أن يكفر وأن يحبسه ، ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار وحدها لأنه يضرّ بها في ترك التكفير والانتفاع بحق الاستمتاع فيلزم أبدا حقها فإن قلت : فإن مس قبل أن يكفر قلت عليه أن يستغفر ولا يعود حتى يكفر لما روي أن سلمة بن صخر البياضي قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : ظاهرت من امرأتي ثم أبصرت خلخالها في ليلة قمراء فواقعثها فقال عليه الصلاة والسلام : «استغفر ربك ولا تعد حتى تكفر» (١) ا. ه. والمراد بالاستغفار هنا : التوبة.
ولما ذكر تعالى المؤمنين الواقفين عند حدوده ذكر المحادين المخالفين لها بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ) أي : يغالبون الملك الأعلى على حدوده ليجعلوا حدودا غيرها وذلك صورته صورة العداوة ؛ لأنّ المحادة المعاداة والمخالفة في الحدود وهو كقوله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) [الحشر : ٤](وَرَسُولَهُ) أي : الذي عزه من عزه ، وقيل : يحادّون الله أي : أولياء الله كما في الخبر «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» (٢) والضمير في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يحتمل أن يرجع إلى المنافقين ، فإنهم كانوا يوادّون الكافرين ويظاهرونهم على النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأذلهم الله تعالى ويحتمل أن يرجع لجميع الكفار فأعلم الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم أنهم (كُبِتُوا) أي :
__________________
(١) أخرجه الترمذي في الطلاق حديث ١١٩٩ ، والنسائي في الطلاق حديث ٣٤٥٧.
(٢) أخرجه ابن ماجه في الفتن حديث ٣٩٨٩ بلفظ : «من عادى لله وليا فقد بارز الله بالمحاربة» ، وأخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٨ / ١٠٢ ، ٤٧٧.