الأعظم من الوجود لإظهار الصفات العلا فيه أتم إظهار (أَنَّ اللهَ) الذي له الكمال كله (بِكُلِّ شَيْءٍ) أي : مما ذكر وغيره (عَلِيمٌ) أي : بالغ العلم فهو على كل شيء شهيد وهذا تحذير من المعاصي وترغيب في الطاعات.
واختلف في سبب نزول قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) أي : تعلم علما هو كالرؤية (إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) فقيل : في اليهود وقيل : في المنافقين ، وقيل : في فريق من الكفار وقيل في فريق من المسلمين لما روى أبو سعيد الخدري قال : «كنا ذات ليلة نتحدث إذ خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال صلىاللهعليهوسلم : ما هذه النجوى فقلنا تبنا إلى الله تعالى يا رسول الله إنا كنا في ذكر المسيح يعني الدجال فرقا منه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألا أخبركم بما هو أخوف عندي منه قلنا بلى يا رسول الله قال : الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل» (١) ذكره الماوردي.
وقال ابن عباس : «نزلت في اليهود والمنافقين ، كانوا يتناجون فيما بينهم وينظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم يوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم فيحزنون لذلك ويقولون : ما نراهم إلا وقد بلغهم من إخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو موت أو هزيمة ، فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم ، فلما طال ذلك عليهم وأثر شكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ) أي : على سبيل الاستمرار ، لأنه وقع مرّة وبادروا إلى التوبة منها أو فلتة معفوا عنها (لِما نُهُوا عَنْهُ) أي : من غير أن يعتدوا لما يتوقع من جهة الناهي من الضرر عنده (وَيَتَناجَوْنَ) أي : يقبل بعضهم على المناجاة إقبالا واحدا فيفعل كل منهم منها ما يفعله الآخر مرّة بعد أخرى على سبيل الاستمرار.
وقرأ حمزة بعد الياء : بنون ساكنة وبعدها تاء فوقية مفتوحة ولا ألف قبل الجيم وضم الجيم ، والباقون بتاء فوقية مفتوحة وبعدها نون مفتوحة وبعد النون ألف وفتح الجيم (بِالْإِثْمِ) أي : بالشيء الذي لا يثبت عليهم به الذنب وبالكذب وبما لا يحل (وَالْعُدْوانِ) أي : العدوان الذي هو نهاية في قصد الشرّ بالإفراط في مجاوزة الحدود (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) أي : مخالفة النبيّ الذي جاء إليهم من الملك الأعلى وهو كامل في الرسالة لكونه مرسلا إلى جميع الخلق وفي كل الأزمان فلا نبيّ بعده فهو لذلك مستحق غاية الإكرام.
فائدة : رسمت معصية في الموضعين بالتاء المجرورة ، وإذا وقف عليها فأبو عمرو وابن كثير والكسائي بالهاء في الوقف ، والكسائي بالإمالة في الوقف على أصله ووقف الباقون بالتاء على الرسم واتفقوا في الوصل على التاء
(وَإِذا جاؤُكَ) أي : يا أشرف الخلق (حَيَّوْكَ) أي : واجهوك بما يعدونه تحية (بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) أي : الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه «وذلك أنّ اليهود كانوا يدخلون على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ويقولون السام عليك ، والسام الموت وهم يوهمون أنهم يقولون السلام عليك وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يرد عليهم فيقول : وعليكم فقالت السيدة عائشة : السام عليكم ولعنة الله وغضبه عليكم ، فقال
__________________
(١) أخرجه بنحوه أحمد في المسند ٣ / ٣٠ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١ / ٣١٥ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ١٨٤ ، وابن كثير في تفسيره ٥ / ٢٠١ ، ٨ / ٦٨ ، والقرطبي في تفسيره ١٧ / ٢٩١.