وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء ، والباقون بضمها ، قال المفسرون : نزلت هذه السورة في بني النضير ، وذلك أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لما دخل المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يكونوا عليه ولا له ، فلما غزا بدرا وظهر على المشركين قالوا : هو النبيّ الذي نعته في التوراة لا تردّ له راية ، فلما غزا أحدا وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة ، فأتوا قريشا فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ودخل أبو سفيان في أربعين وكعب في أربعين من اليهود المسجد ، وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين أستار الكعبة ، ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة فنزل جبريل عليهالسلام ، وأخبر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بما عاقد عليه كعب وأبو سفيان ، فأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة ، فلما قتل كعب بن الأشرف أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير ، وكانوا بقرية يقال لها : زهرة فلما سار إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجدهم ينوحون على كعب ، وقالوا : يا محمد واعية على أثر واعية ، وباكية على أثر باكية ، قال : نعم ، قالوا : ذرنا نبكي شجونا ثم ائتمر أمرك ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : اخرجوا من المدينة ، فقالوا : الموت أقرب إلينا من ذلك ، ثم تنادوا بالحرب وآذنوا بالقتال ، ودس المنافقون عبد الله بن أبيّ وأصحابه إليهم أن لا تخرجوا من الحصن ، فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم ، ولئن خرجتم لنخرجنّ معكم ، فدربوا على الأزقة وحصنوها ، ثم إنهم أجمعوا الغدر برسول الله صلىاللهعليهوسلم فأرسلوا إليه أن اخرج في ثلاثين رجلا من أصحابك ، ويخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك فيسمعون منك ، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنا كلنا. فخرج النبي صلىاللهعليهوسلم في ثلاثين من أصحابه ، وخرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود حتى إذا كانوا في براز من الأرض ، قال بعض اليهود لبعض : كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون من رجال أصحابه كلهم يحب الموت قبله ، ولكن أرسلوا إليه كيف نفهم ونحن ستون رجلا اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيسمعون منك ، فإن آمنوا بك آمنا كلنا بك وصدقناك.
فخرج النبي صلىاللهعليهوسلم في ثلاثة من أصحابه ، واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلىاللهعليهوسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها ، وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي صلىاللهعليهوسلم فسارّه بخبرهم.
فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ، فقذف الله في قلوبهم الرعب ، وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصلح ، فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقبلوا ذلك فصالحهم على الجلاء وعلى أنّ لهم ما أقلت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ، وهي السلاح ، وعلى أن يخلوا لهم ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : على أن يحمل كل أهل بيت على بعير ما شاؤوا من متاعهم ، وللنبيّ صلىاللهعليهوسلم ما بقي.
وقال الضحاك : على كل ثلاثة نفر بعيرا ووسقا من طعام. ففعلوا ذلك وخرجوا من المدينة إلى الشام إلى أذرعات وأريحاء إلا أهل بيتين من آل بني الحقيق ، وآل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا