بخيبر ، ولحقت طائفة بالحيرة.
فذلك قوله تعالى : (هُوَ) أي : وحده من غير إيجاف خيل ولا ركاب (الَّذِي أَخْرَجَ) أي : على وجه القهر (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : ستروا ما في كتبهم من الشواهد لمحمد صلىاللهعليهوسلم بأنه النبيّ الخاتم ، وما في فطرتهم الأولى من اتباع الحق (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أي : الذي أنزله الله تعالى على رسوله موسى صلىاللهعليهوسلم ، وهم بنو النضير. وفي التعبير بكفروا إشعار بأنهم الذي أزالوا بالتبديل والإخفاء ما قدروا عليه مما بقي من التوراة (مِنْ دِيارِهِمْ) أي : مساكنهم بالمدينة عقوبة لهم ، لأنّ الوطن عديل الروح لأنه للبدن كالبدن للروح فكان الخروج منه في غاية العسر. قال ابن اسحق : كان إجلاء بني النضير مرجع النبي صلىاللهعليهوسلم من أحد ، وفتح قريظة عند مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) هو حشرهم إلى الشام.
وآخره أن جلاهم عمر في خلافته إلى خيبر. قال سمرة الهمداني : كان أوّل الحشر من المدينة ، والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحا من الشام في أيام عمر وقال القرطبي : الحشر الجمع ، وهو على أربعة أضرب : حشران في الدنيا وحشران في الآخرة ، أما الذي في الدنيا فقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) كانوا من سبط لم يصبهم جلاء ، وكان الله تعالى قد كتب عليهم الجلاء فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا ، وكان أوّل حشر في الدنيا إلى الشام ، قال ابن عباس وعكرمة رضي الله عنهم : من شك أنّ المحشر في الشام فليقرأ هذه الآية ، وأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال لهم : «اخرجوا قالوا إلى أين ، قال : إلى أرض الحشر» (١) قال قتادة : هذا أول الحشر. قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من داره.
وأما الحشر الثاني : فحشرهم قرب القيامة ، قال قتادة : تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا وتأكل من تخلف منهم ، وهذا ثابت في الصحيح. وذكروا أنّ تلك النار ترى بالليل ولا ترى بالنهار.
وقال ابن العربي : للحشر أوّل ووسط وآخر ، فالأوّل : جلاء بني النضير ، والأوسط : جلاء خيبر ، والآخر : حشر يوم القيامة. وعن الحسن : هم بنو قريظة وخالفه بقية المفسرين ، وقالوا : بنو قريظة ما حشروا ولكنهم قتلوا حكاه الثعلبي (ما ظَنَنْتُمْ) أيها المؤمنون (أَنْ يَخْرُجُوا) أي : يوقعوا الخروج من شيء أورثتموه منهم لما كان لكم من الضعف ولهم من القوة لكثرتهم وشدّة بأسهم وقرب بني قريظة منهم وأهل خيبر أيضا غير بعيدين عنهم ، وكلهم أهل ملتهم والمنافقون من أنصارهم فخابت ظنونهم في جميع ذلك (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ) وقوله تعالى : (مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) فيه وجهان :
أحدهما : أن تكون حصونهم مبتدأ ، ومانعتهم خبرا مقدّما ، والجملة خبر أنهم.
الثاني : أن تكون مانعتهم خبر أنهم ، وحصونهم فاعل به نحو إنّ زيدا قائم أبوه ، وإنّ عمرا قائمة جاريته. وجعله أبو حيان أولى لأنّ في نحو قائم زيد على أن يكون خبرا مقدّما ومبتدأ مؤخرا خلافا ، والكوفيون يمنعونه فمحل الوفاق أولى.
__________________
(١) أخرجه ابن كثير في تفسيره ٨ / ٨٤ ، والذهبي في ميزان الاعتدال ٣٢٧١ ، والقرطبي في تفسيره ١٨ / ٢.