وقيل : هي النخلة الكريمة ، أي : القريبة من الأرض. وقيل : هي الفسيلة ، أي : بالفاء وهي صغار النخل لأنها ألين من النخلة. وقيل : هي الأشجار كلها للينها بالحياة. وقال الأصمعي : هي الدقل. قال ابن العربي : والصحيح ما قاله الأزهري ومالك ، وجمع اللينة لين ؛ لأنه من باب اسم الجنس كتمرة وتمر ، وقد تكسر على ليان وهو شاذ لأن تكسير ما يفرق بتاء التأنيث شاذ كرطبة ورطب وأرطاب والضمير في قوله تعالى : (أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً) عائد على معنى ما.
ولما كان الترك يصدق ببقائها مغروسة أو مقطوعة قال تعالى : (عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) أي : فقطعها بتمكين الملك الأعظم ، روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها ، فجزع أعداء الله تعالى عند ذلك وقالوا : يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح ، أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخل ، وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض ، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فسادا ، واختلفوا في ذلك فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا ، وقال بعضهم : بل نغيظهم بقطعه فأنزل الله تعالى هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه ، وتحليل من قطعه من الأثم ، وإن ذلك كان بإذن الله وعن ابن عمر قال : «حرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم نخل بني النضير وقطع» (١) واللام في قوله تعالى : (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) متعلقة بمحذوف ، أي : وأذن في قطعها ليخزي اليهود في اعتراضهم بأن قطع الشجر المثمر فساد ، وليسر المؤمنين ويعزهم ، وليخزي الفاسقين.
فإن قيل : لم خصت اللينة بالقطع؟ أجيب : بأنه إن كانت من الألوان فليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية ، وإن كانت من كرام النخل فليكون غيظ اليهود أشدّ.
واحتجوا بهذه الآية على أنّ حصون الكفرة وديارهم يجوز هدمها وتحريقها وتغريقها ، وأن ترمى بالمناجيق ، وكذا أشجارهم. وعن ابن مسعود : أنهم قطعوا منها ما كان موضعا للقتال ، وروي : أنّ رجلين كانا يقطعان أحدهما العجوة والآخر اللون فسألهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : هذا تركتها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال : هذا قطعتها غيظا للكفار. وقد استدل به على جواز الاجتهاد ، وعلى جوازه بحضور النبي صلىاللهعليهوسلم لأنهما بالاجتهاد فعلا ذلك ، واحتج به من يقول : كل مجتهد مصيب. وقال الكيا الطبري : وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود النبيّ صلىاللهعليهوسلم بين أظهرهم ، ولا شك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى ذلك وسكت ، فتلقوا الحكم من تقريره فقط. قال ابن العربي : وهذا باطل لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان معهم ، ولا اجتهاد مع حضوره صلىاللهعليهوسلم ، وإنما يدل على اجتهاد النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيما لم ينزل عليه أخذا بعموم الأدلة للكفار ودخولا للإذن في الكل بما يقضي عليهم بالبوار ، وذلك قوله تعالى : (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ.)
(وَما أَفاءَ اللهُ) أي : ردّ الملك الذي له الأمر كله ردّا سهلا بعد أن كان في غاية العسر والصعوبة (عَلى رَسُولِهِ) فصيره في يده بعد أن كان خروجه عنها بوضع أيدي الكفرة عليه ظلما وعدوانا ، كما دل عليه التعبير بالفيء الذي هو عود الظلّ إلى الناحية التي كان ابتدأ منها (مِنْهُمْ)
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٣٠٢١ ، ومسلم في الجهاد حديث ١٧٤٦ ، وأبو داود في الجهاد حديث ٢٦١٥ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٣٠٢ ، وابن ماجه في الجهاد حديث ٢٨٤٤ ، والدارمي في السير حديث ٢٤٦٠.