أحدها : أنه ضمن تبوؤوا معنى لزموا فيصح عطف الإيمان عليه ؛ إذ الإيمان لا يتبوأ.
ثانيها : أنه منصوب بمقدر ، أي : واعتقدوا ، أو وألفوا ، أو وأحبوا ، أو وأخلصوا كقول القائل (١) :
علفتها تبنا وماء باردا
وقول الآخر (٢) :
ومتقلدا سيفا ورمحا
ثالثها : أنه يتجوّز في الإيمان فيجعل لاختلاطه بهم وثباتهم عليه كالمكان المحيط بهم ، فكأنهم نزلوه وعلى هذا فيكون جمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة ، وفيه خلاف مشهور.
رابعها : أن يكون الأصل دار الهجرة ودار الإيمان ، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه ، وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه.
خامسها : أن يكون سمى المدينة به ، لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان ، قال هذين الوجهين الزمخشري ، وليس فيه إلا قيام أل مقام المضاف إليه وهو محل خلاف ، وهو أن أل هل تقوم مقام الضمير المضاف إليه فالكوفيون يجوّزونه كقوله تعالى : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤١] أي : مأواه ، والبصريون يمنعونه ويقولون الضمير محذوف ، أي : المأوى له. وأما كونها عوضا عن المضاف إليه ، فقال ابن عادل : لا نعرف فيه خلافا.
سادسها : أنه منصوب على المفعول معه ، أي : مع الإيمان. قال وهب : سمعت مالكا يذكر فضل المدينة على غيرها من الآفاق فقال : إنّ المدينة تبوّئت بالإيمان والهجرة ، وإنّ غيرها من القرى افتتحت بالسيف ، ثم قرأ (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : وهم الأنصار (يُحِبُّونَ) أي : على سبيل التجديد والاستمرار (مَنْ هاجَرَ) وزادهم محبة فيهم بقوله تعالى : (إِلَيْهِمْ) لأنّ القصد إلى الإنسان يوجب حقه عليه ، لأنه لو لا كمال محبته له ما خصه بالقصد إليه
__________________
(١) يروى الرجز بتمامه :
علفتها تبنا وماء باردا |
|
حتى شتت همّالة عيناها |
والرجز بلا نسبة في لسان العرب (زجج) ، (قلد) ، (علف) ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٨ ، ٧ / ٢٣٣ ، وأمالي المرتضى ٢ / ٢٥٩ ، والإنصاف ٢ / ٦١٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٤٥ ، والخصائص ٢ / ٤٣١ ، والدرر ٦ / ٧٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٤٧ ، وشرح شذور الذهب ص ٣١٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٥٨ ، ٢ / ٩٢٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٠٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٣٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٠١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٠ ، وتاج العروس (علف).
(٢) يروى البيت بلفظ :
يا ليت زوجك قد غدا |
|
متقلّدا سيفا ورمحا |
والبيت من مجزوء الكامل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٠٨ ، ٦ / ٢٣٨ ، وأمالي المرتضى ١ / ٥٤ ، والإنصاف ٢ / ٦١٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٣١ ، ٣ / ١٤٢ ، ٩ / ١٤٢ ، والخصائص ٢ / ٤٣١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٨٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٠ ، ولسان العرب (رغب) ، (زجج) ، (مسح) ، (قلد) ، (جدع) ، (جمع) ، (هدى) والمقتضب ٢ / ٥١.