تعالى يترفع برسوله صلىاللهعليهوسلم عن تسميته بالفقير ، وقال غيره : إنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي : ولكن الفيء للفقراء.
وقيل تقديره : ولكن يكون للفقراء ، وقيل تقديره : أعجبوا للفقراء ، واقتصر على هذا التقدير الجلال المحلي. وإنما جعله الزمخشري بدلا من لذي القربى لأنه حنفي ، والحنفية يشترطون الفقر في إعطاء ذوي القربى من الفيء ، ولذا قال البيضاوي : ومن أعطى أغنياء ذوي القربى ، أي : كالشافعي خصص الإبدال بما بعده ، أو الفيء بفيء بني النضير ا. ه. أو أنهم كانوا عند نزول الآية كذلك ، ثم خصص بالوصف بقوله تعالى : (الْمُهاجِرِينَ) وقيد ذلك بقوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) لأنّ الهجرة قد تطلق على من هجر أهل الكفر من غيره مفارقة الوطن وقوله تعالى : (وَأَمْوالِهِمْ) إشارة إلى أنّ المال لما كان يستره الإنسان كان كأنه ظرف له
ولما كان طلب الدنيا من النقائص بين أنه إذا كان من الله لم يكن كذلك ، وأنه لا يكون قادحا في الإخلاص فقال تعالى : (يَبْتَغُونَ) أي : أخرجوا حال كونهم يطلبون على وجه الاجتهاد ، وبين أنه لا يجب عليه سبحانه لأحد شيء بقوله تعالى : (فَضْلاً مِنَ اللهِ) أي : الملك الأعظم الذي لا كفء له ، لأنه المختص بجميع صفات الكمال فيغنيهم بفضله عمن سواه (وَرِضْواناً) بأن يوفقهم لما يرضيه عنهم ، ولا يجعل رغبتهم في العوض منه قادحا في الإخلاص فيوصلهم إلى دار كرامته وقرأ شعبة بضم الراء ، والباقون بكسرها (وَيَنْصُرُونَ) أي : على سبيل التجديد والاستمرار (اللهِ) أي : دين الملك الأعظم (وَرَسُولَهُ) الذي عظمته من عظمته بأنفسهم وأموالهم ليضمحل حزب الشيطان (أُولئِكَ) أي : العالو الرتبة في الأخلاق الفاضلة (هُمُ الصَّادِقُونَ) أي : العريقون في هذا الوصف ، لأنّ مهاجرتهم لما ذكر وتركهم لما وصف دل على كمال صدقهم فيما ادعوه من الإيمان بالله ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، حيث نابذوا من عاداهما ، ووالوا أولياءهما وإن بعدت دارهم وشط مزارهم
ثم أتبع ذكر المهاجرين بذكر الأنصار الذين كانوا في كل حال معه صلىاللهعليهوسلم ، كالميت بين يدي الغاسل مهما شاء فعل ومهما أراد منهم صاروا إليه بقوله تعالى :
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣))
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا) أي : جعلوا بغاية جهدهم (الدَّارَ) أي : الكاملة في الدور التي جعلها الله تعالى في الأزل للهجرة ، وهيأها للنصرة وجعلها محل إقامتهم. وفي قوله تعالى : (وَالْإِيمانَ) أوجه :