الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن خراش عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر» (١) حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن أسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب : أنه أمر بقتل الزنبور. وهذا الجواب في غاية الحسن أفتى بقتل الزنبور في الإحرام ، وبين أنه يقتدى فيه بعمر ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم أمر بالاقتداء به ، وأنّ الله تعالى أمر بقبول ما يقوله صلىاللهعليهوسلم ، فجواز قتله من الكتاب والسنة.
وسئل عكرمة عن أمّهات الأولاد هل هنّ أحرار؟ فقال : في سورة النساء في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] وفي صحيح مسلم وغيره عن علقمة عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى» (٢) فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب فجاءت فقالت : بلغني أنك لعنت كيت وكيت ، فقال وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو في كتاب الله تعالى فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول فقال : لئن كنت قرأتيه فقد وجدتيه أما قرأت (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه الحديث.
فائدة : الوشم : هو غرز العضو من الإنسان بالإبرة ، ثم يحشى بالكحل. والمستوشمة ، هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك ، والنامصة : هي التي تنتف الشعر من الوجه ، والمتفلجة : هي التي تتكلف تفريج ما بين ثناياها بصناعة ، وقيل : تتفلج في مشيها في كل شيء منهي عنه. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وورش بالفتح وبين اللفظين ، والباقون بالفتح والهمزة ممدودة بلا خلاف لأنها بمعنى الإعطاء (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : واجعلوا لكم بطاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقاية من عذاب الملك الأعظم المحيط علما وقدرة ، وعلل ذلك بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ) أي : الذي له الجلال والإكرام على الإطلاق (شَدِيدُ الْعِقابِ) أي : العذاب الواقع بعد الذنب. قال البقاعي ومن زعم أن شيئا مما في هذه السورة نسخ بشيء مما في سورة الأنفال فقد أخطأ ، لأنّ الأنفال نزلت في بدر ، وهي قبل هذه بمدّة.
وقوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ) أي : الذين كان الإنسان منهم يعصب الحجر على بطنه من الجوع ويتخذ الحفرة في الشتاء لتقيه البرد وما له دثار غيرها بدل من لذي القربى ، وما عطف عليه قاله الزمخشري. والذي منع الإبدال من لله وللرّسول والمعطوف عليهما وإن كان المعنى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأنّ الله تعالى أخرج رسوله صلىاللهعليهوسلم من الفقراء في قوله تعالى : (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ولأنه
__________________
(١) أخرجه الترمذي حديث ٣٦٦٢ ، ٣٨٠٥ ، وابن ماجه حديث ٩٧ ، وأحمد في المسند ٥ / ٣٨٢ ، ٣٨٥ ، ٣٩٩ ، ٤٠١ ، ٤٠٢ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٥ / ١٢ ، ٨ / ١٥٣.
(٢) أخرجه البخاري في اللباس حديث ٥٩٣١ ، ومسلم في اللباس حديث ٢١٢٥ ، والترمذي في اللباس حديث ١٧٥٩.