الزوجات يعطى لهنّ مطلقا لانحصارهن في أربع ، ثم ما يدفعه إليه لزوجته وولده الملك فيه لهما حاصل من الفيء.
وقيل : يملكه هو ويصير إليهما من جهته ، فإن مات أعطى الإمام أصوله وزوجاته وبناته إلى أن يستغنوا ، ويسنّ أن يضع الإمام ديوانا وهو الدفتر الذي يثبت فيه أسماء المرتزقة وأوّل من وضعه عمر رضي الله عنه وأن ينصب لكل جمع عريفا ، وأن يقدم في اسم وإعطاء قريشا لشرفهم بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولخبر «قدّموا قريشا» (١) ، وأن يقدم منهم بني هاشم وبني المطلب فبني عبد شمس فبني عبد العزى فسائر بطون العرب الأقرب فالأقرب إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فسائر العرب فالعجم ، ولا يثبت في الديوان من لا يصلح ، ومن مرض فكصحيح وإن لم يرج برؤه ، ويمحى اسم كل من لم يرج ، وما فضل عنهم وزع عليهم بقدر مؤنتهم وللإمام صرف بعضه في ثغور وسلاح وخيل ونحوها ، وله وقف عقار فيء أو بيعه وقسم غلته أو ثمنه كقسم المنقول أربعة أخماسه للمرتزقة وخمسة للمصالح ، وله أيضا : قسمه كالمنقول لكن خمس الخمس الذي للمصالح لا سبيل إلى قسمته.
ولما حكم سبحانه هذا الحكم في الفيء المخالف لما كانوا عليه في الجاهلية من اختصاص الأغنياء به بين علته المظهرة لعظمته بقوله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ) أي : الفيء الذي يسره الله تعالى بقوّته من قذف الرعب في قلوب أعدائه ، ومن حقه أن يعطاه الفقراء (دُولَةً) أي : متداولا (بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) أي : يتداوله الأغنياء ويدور بينهم كما كان في الجاهلية ، فإنهم كانوا يقولون : من عزّ بزّ ، ومنه قول الحسن : اتخذوا عباد الله خولا ، ومال الله دولا ، يريد : من غلب منهم أخذه واستأثر به. وقرأ هشام بخلاف عنه تكون بالتأنيث دولة بالرفع ، والباقون بالتذكير والنصب ، فأمّا الرفع فعلى أن كان تامّة ، وأمّا التأنيث والتذكير فواضحان ؛ لأنه تأنيث مجازي ، وأما النصب فعلى إنها الناقصة واسمها ضمير عائد على الفيء. والتذكير واجب لتذكير المرفوع ، ودولة خبرها ، وقيل : دولة عائد على ما اعتبارا بلفظها ، وكي لا هنا مقطوعة في الرسم
(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) أي : وكل شيء أحضره لكم الكامل في الرسالة من الغنيمة ، أو مال الفيء أو غيره (فَخُذُوهُ) أي : فاقبلوه لأنه حلال لكم ، وتمسكوا به فإنه واجب الطاعة (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ) أي : من جميع الأشياء (فَانْتَهُوا) لأنه لا ينطق عن الهوى ، ولا يقول ولا يفعل إلا ما أمر ربه عزوجل.
تنبيه : هذه الآية تدل على أنّ كل ما أمر به النبيّ صلىاللهعليهوسلم أمر من الله تعالى لأنّ الآية ، وإن كانت في الغنائم فجميع أوامره صلىاللهعليهوسلم ونواهيه داخل فيها. قال عبد الرحمن بن زيد : لقي ابن مسعود رجلا محرما وعليه ثيابه ، فقال : انزع عنك هذا ، فقال الرجل : تقرأ عليّ بهذا آية من كتاب الله تعالى ، قال : نعم (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وقال عبد الله بن محمد بن هارون الفريابي : سمعت الشافعي رضى الله عنه يقول : سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله تعالى ، وسنة نبيكم صلىاللهعليهوسلم ، قال : فقلت له : أصلحك الله ما تقول في المحرم يقتل الزنبور ، قال : فقال : بسم
__________________
(١) لفظ الحديث بتمامه : «قدّموا قريشا ولا تقدموها». أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٢ / ٢٣١ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ٢٥ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٣٧٩١ ، ٣٣٧٨٩ ، ٣٣٧٩٠ ، وابن حجر في فتح الباري ١٣ / ١١٨.