وقال القرطبي : الشح والبخل سواء ، وجعل بعض أهل اللغة الشح أشد من البخل. وفي الصحاح : الشح البخل مع حرص ، والمراد بالشح في الآية الشح بالزكاة ، وما ليس بفرض من صلة ذوي الأرحام والضيافة وما شاكل ذلك وليس بشحيح ولا بخيل من أنفق في ذلك ، وإن أمسك عن نفسه ، ومن وسع على نفسه ولم ينفق فيما ذكر من الزكاة والطاعات فلم يوق شح نفسه.
روى الأموي عن ابن مسعود : أنّ رجلا أتاه فقال : إني أخاف أن أكون قد هلكت ، قال : وما ذاك؟ قال : سمعت الله يقول : ومن يوق شح نفسه ، وأنا رجل شحيح لا أكاد أخرج من يدي شيئا ، فقال ابن مسعود : ليس ذلك الذي ذكر الله تعالى ، إنما الشح أن تأكل مال أخيك ظلما ، ولكن ذلك البخل وبئس الشيء البخل ، ففرق بين الشح والبخل. وقال طاوس : البخل أن يبخل الإنسان بما في يده ، والشح أن يشح بما في أيدي الناس ، يحب أن يكون له ما في أيديهم بالحل والحرام فلا يقنع ، وقال بعضهم : ليس الشح أن يمنع الرجل ماله ، إنما الشح أن تطمح عين الرجل فيما ليس له. وقال ابن جبير : الشح منع الزكاة ، وادخار الحرام وقال ابن عيينة : الشح الظلم. وقال الليث : ترك الفرائض ، وانتهاك المحارم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : من اتبع هواه ولم يقبل الإيمان ، فذلك الشحيح وقال ابن زيد : من لم يأخذ شيئا نهاه الله تعالى عنه ، ولم يمنع شيئا أمره الله تعالى بإعطائه فقد وقاه الله تعالى شح نفسه.
وعن أنس أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «برىء من الشح من أدى الزكاة ، وأقرى الضيف ، وأعطى في النائبة» (١) وعنه أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم «كان يدعو اللهم إني أعوذ بك من شح نفسي وإسرافها وسوأتها» (٢) وقال ابن الهياج الأسدي : رأيت رجلا في الطواف يدعو اللهم قني شح نفسي لا يزيد على ذلك ، فقلت له : فقال : إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ، ولم أزن ، ولم أقتل فإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف. قال القرطبي : ونزل على هذا قوله صلىاللهعليهوسلم «اتقوا الظلم فإنّ الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فإنّ الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارهم» (٣) وعن أبي هريرة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يجتمع غبار في سبيل الله ، ودخان جهنم في جوف عبد أبدا» (٤) وقال كسرى لأصحابه : أي شيء أضرّ بابن آدم؟ قالوا : الفقر ، فقال : الشح أضر من الفقر لأنّ الفقير إذا وجد شبع ، والشحيح إذا وجد لم يشبع أبدا (فَأُولئِكَ) أي : العالو المنزلة (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الكاملون في الفوز بكل مراد ، قال القشيري : ومجرد القلب من الأعراض والأملاك صفة السادة والأكابر من أسرته الأخطار
ولما أثنى سبحانه وتعالى على المهاجرين والأنصار بما هم عليه وأهله أتبعهم ذكر التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين فقال تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ) أي : من أي طائفة كانوا (مِنْ بَعْدِهِمْ) أي بعد المهاجرين والأنصار ، وهم من آمن بعد انقطاع الهجرة بالفتح ، وبعد إيمان الأنصار الذين
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦ / ١٩٦ ، ١٩٧ ، وابن كثير في تفسيره ٨ / ٣٠ ، ٩٨ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٥٧٨٠ ، والطبراني في المعجم الكبير ٤ / ٢٤١.
(٢) أخرجه القرطبي في تفسير ١٨ / ٣٠.
(٣) تقدم الحديث مع تخريجه قبل قليل.
(٤) أخرجه الترمذي حديث ١٦٣٣ ، ٢٣١١ ، والنسائي في الجهاد حديث ٣١١٠ ، وابن ماجه في الجهاد حديث ٢٧٧٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٥٦.