أسلموا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى يوم القيامة (يَقُولُونَ) على سبيل التجديد والاستمرار تصديقا لإيمانهم بدعائهم (رَبَّنَا) أي : أيها المحسن إلينا بإيجاد من مهد الدين قبلنا (اغْفِرْ لَنا) أي : أوقع ستر النقائص آثارها وأعيانها (وَلِإِخْوانِنَا) أي : في الدين فإنهم أعظم أخوة ، وبينوا العلة بقولهم (الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) قال ابن أبي ليلى الناس على ثلاثة منازل : المهاجرين ، والذين تبوؤوا الدار والإيمان ، والذي جاؤوا من بعدهم فاجتهد أن لا تخرج من هذه المنازل. وقال بعضهم : كن مهاجرا ، فإن قلت : لا أجد فكن أنصاريا ، فإن لم تجد فاعمل بأعمالهم ، فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمر الله تعالى.
وقال مصعب بن سعد : الناس على ثلاث منازل فمضت منزلتان وبقيت منزلة ، فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه جاءه رجل فقال له : يا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما تقول في عثمان فقال له يا أخي أنت من قوم قال الله تعالى فيهم : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) الآية ، قال : لا ، قال : فأنت من قوم قال الله تعالى فيهم : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) الآية ، قال : لا ، قال : فو الله إن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجنّ من الإسلام ، وهي قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) الآية وروي أنّ نفرا من أهل العراق جاؤوا إلى محمد بن علي بن الحسين فسبوا أبا بكر وعمر وعثمان فأكثروا ، فقال لهم : أمن المهاجرين الأولين أنتم ، فقالوا : لا فقال : أمن الذين تبؤوا الدار والإيمان ، قالوا : لا قال : فقد تبرأتم من هذين الفريقين ، أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) قوموا فعل الله بكم وفعل.
تنبيه : هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة رضى الله تعالى عنهم أجمعين ، لأنه جعل لمن بعدهم حظا في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم ، ومن أبغضهم أو واحدا منهم ، أو اعتقد فيهم شرا أنه لا حق له في الفيء.
قال مالك : من كان يبغض أحدا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو كان في قلبه لهم غل فليس له حق في فيء المسلمين ، ثم قرأ (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) الآية ، وهي عامة في جميع التابعين الآتين بعدهم إلى يوم القيامة. يروى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم خرج إلى المقبرة فقال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت لو رأيت إخواننا ، فقالوا : يا رسول الله ألسنا إخوانك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بل أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض» (١) فبين صلىاللهعليهوسلم إن إخوانه كان من أتى بعدهم كما قال السدي والكلبي : إنهم الذي هاجروا بعد ذلك ، وعن الحسن أيضا : أنّ الذين جاؤوا من بعدهم من قصد إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة بعد انقطاع الهجرة ، وإنما بدؤوا في الدعاء بأنفسهم لقوله صلىاللهعليهوسلم «ابدأ بنفسك» (٢) وقال الشعبي : تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة ، سئلت اليهود من خير أهل ملتكم فقالوا : أصحاب موسى ، وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم فقالوا : أصحاب عيسى ، وسألت الرافضة من شر أهل ملتكم فقالوا : أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم. وعن عائشة قالت سمعت رسول الله
__________________
(١) أخرجه مسلم في الطهارة حديث ٢٤٩ ، والنسائي في الطهارة حديث ١٥٠ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٣٠٦.
(٢) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ٩٩٧ ، والنسائي في الزكاة حديث ٢٥٤٦.