سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم» (١).
وروي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة : هي أحدهم فاستحضر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حاطبا ، وقال له : هل تعرف هذا الكتاب ، قال : نعم ، قال : فما حملك عليه ، فقال : يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ، ولا غششتك منذ نصحتك ، ولا أحببتهم منذ فارقتهم ، ولكني كنت أمرأ ملصقا في قريش ، وروي عزيزا فيهم أي : غريبا ولم أكن من أنفسها ، وكل من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم غيري ، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا ، وقد علمت أنّ الله تعالى ينزل عليهم بأسه ، وإنّ كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدّقه وقبل عذره ، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : «وما يدريك يا عمر لعلّ الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، ففاضت عينا عمر» (٢) ، وقال : الله ورسوله أعلم. وإضافة العدوّ إلى الله تعالى تغليظا في خروجهم ، وهذه السورة أصل في النهي عن موالاة الكفار ، وتقدّم نظيره في قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) [آل عمران : ٢٨] وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) [آل عمران : ١١٨] روي أنّ حاطبا لما سمع (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) غشي عليه من الفرح بخطاب الإيمان.
ثم إنه تعالى استأنف بيان هذا الاتخاذ بقوله تعالى مشيرا إلى غاية الإسراع والمبادرة إلى ذلك بالتعبير بقوله تعالى : (تُلْقُونَ) أي : جميع ما هو في حوزتكم مما لا تطمعون فيه إلقاء الشيء الثقيل من علو (إِلَيْهِمْ) على بعدهم منكم حسا ، ومعنى (بِالْمَوَدَّةِ) أي : بسببها قال القرطبي : تلقون إليهم بالمودّة ، يعني : بالظاهر لأنّ قلب حاطب كان سليما بدليل أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «أمّا صاحبكم فقد صدق» (٣) هذا نص في إسلامه وسلامة فؤاده وخلوص اعتقاده. وقرأ حمزة بضم الهاء ، والباقون بكسرها. وقوله تعالى : (وَقَدْ كَفَرُوا) أي : غطوا جميع ما لكم من الأدلة (بِما) أي : بسبب ما (جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) أي : الأمر الثابت الكامل في الثبات الذي لا شيء أعظم ثباتا منه فيه أوجه :
أحدها : الاستئناف.
ثانيها : الحال من فاعل تتخذوا.
ثالثها : الحال من فاعل تلقون ، أي : لا تتولوهم ولا توادّوهم ، وهذه حالهم. وقوله تعالى : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون تفسيرا لكفرهم فلا محل له على هذين ، وأن يكون حالا من فاعل كفروا. وقوله تعالى : (وَإِيَّاكُمْ) عطف على الرسول وقدم عليهم تشريفا له صلىاللهعليهوسلم ، وقوله تعالى : (أَنْ تُؤْمِنُوا) أي : توقعوا حقيقة الإيمان مع التجدّد والاستمرار (بِاللهِ) أي : الذي اختص بجميع صفات الكمال (رَبِّكُمْ) أي : المحسن إليكم تعليل ليخرجون ، والمعنى : يخرجون الرسول ويخرجونكم من مكة لأن تؤمنوا بالله ، أي : لأجل إيمانكم بالله.
قال ابن عباس : وكان حاطب ممن أخرج مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي ذلك تغليب المخاطب
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٨٩٠ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٤٩٤ ، وأبو داود في الجهاد حديث ٢٦٥٠ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٢٣٠٥.
(٢) انظر الحاشية السابقة.
(٣) انظر الحاشية ما قبل السابقة.