فوتتها المهاجرة فلا يجمع عليه خسارتان الزوجية والمالية وأما الكسوة والنفقة فأنهما لما يتجدّد من الزمان.
تنبيه : أمر الله تعالى برد ما أنفقوا إلى الأزواج ، وإنّ المخاطب بهذا الإمام. وهل يجب ذلك أو يندب؟ ظاهرة الآية الوجوب ، ولكن رجح الندب وعليه الشافعي ، لأنّ البضع ليس بمال فلا يشمله الأمان كما لا يشمل زوجية ، والآية وإن كان ظاهرها الوجوب محتملة للندب الصادق بعدم الوجوب الموافق للأصل ، وقال مقاتل : يردّ المهر للذي يتزوّجها من المسلمين ، وليس لزوجها الكافر شيء. وقال قتادة : الحكم في ردّ الصداق إنما هو في نساء أهل الذمّة ، فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يرد عليهم الصداق. قال القرطبي : والأمر كما قال (وَلا جُناحَ) أي : حرج وميل (عَلَيْكُمْ) يا أيها المشرفون بالخطاب (أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) أي : تجدّدوا زواجكم بهنّ بعد الاستبراء ، وإن كان أزواجهنّ من الكفار لم يطلقوهنّ لزوال العلق عنهنّ لأنّ الإسلام فرق بينهم ، قال الله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء : ١٤١].
ولما كان قد أمر برد مهور الكفار فكان ربما ظنّ أنه مغن عن تجديد مهر لهنّ إذا نكحهنّ المسلم نفى ذلك بقوله : (إِذا آتَيْتُمُوهُنَ) أي : لأجل النكاح (أُجُورَهُنَ) أي : مهورهنّ ، وفي شرط ائتاء المهر في نكاحهنّ إيذان بأن ما أعطى أزواجهنّ لا يقوم مقام المهر (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) جمع عصمة ، وهي هنا عقد النكاح ، أي : من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدّ بها فقد انقطعت عصمتها فلا يكن بينكم وبينهنّ عصمة ولا علقة زوجية ، والكوافر جمع كافرة كضوارب في ضاربة. قال النخعي : المراد بالآية هي المرأة المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر ، وكان الكفار يتزوّجون المسلمات ، والمسلمون يتزوجون المشركات ، ثم نسخ ذلك بهذه الآية فطلق عمر بن الخطاب حينئذ امرأتين له بمكة مشركتين قريبة بنت أبي أمية فتزوجها معاوية بن أبي سفيان ، وهما على شركهما بمكة وأمّ كلثوم بنت عمرو الخزاعية أم عبد الله بن المغيرة فتزوجها أبو جهم بن حذافة ، وهما على شركهما بمكة فلما ولي عمر قال أبو سفيان لمعاوية : طلق قريبة فلا يرى عمر سلبه في بيتك فأبى معاوية ، وكانت عند طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ففرق الإسلام بينهما ، ثم تزوجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص ، وكانت ممن فرّ إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم من نساء الكفار فحبسها وزوجها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية. وقال الشعبي : كانت زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم امرأة أبي العاص بن الربيع أسلمت ولحقت بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأقام أبو العاص بمكة مشركا ، ثم أتى المدينة وأسلم فردّها عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. روى أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس بالنكاح الأوّل ، ولم يحدث شيئا. قال محمد بن عمرو في حديث بعد ست سنين ، وقال الحسن بن علي : بعد سنتين ، قال أبو عمر : فإن صح هذا فلا يخلو من وجهين : إما أنها لم تحض حتى أسلم زوجها ، وإما أنّ الأمر فيها منسوخ بقوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) يعني : في عدّتهن ، وهذا مما لا خلاف فيه أنه عنى به العدّة قال الزهري في قصة زينب : هذه كانت قبل أن تنزل الفرائض ، وقال قتادة : كان هذا قبل أن تنزل سورة براءة بقطع العهود بينهم وبين المشركين.
تنبيه : المراد بالكوافر هنا عبدة الأوثان ، ومن لا يجوز ابتداء نكاحها. وقيل : هي عامّة نسخ منها نساء أهل الكتاب ، فعلى الأول : إذا أسلم وثني ، أو مجوسي ولم تسلم أمرأته فرق بينهما ،