(وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا ، وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء (١) قال أكثر المفسرين : معناه لا يلحقن بأزواجهن ولدا من غيرهن ، وكانت المرأة تلتقط ولدا تلحقه بزوجها وتقول : هذا ولدي منك فكان هذا من البهتان والافتراء. وهذا عام في الإتيان بولد وإلحاقه بالزوج ، وإن سبق النهي عن الزنا.
تنبيه : ذكر تعالى في هذه الآية لرسوله صلىاللهعليهوسلم في صفة البيعة خصالا ستا صرح فيهن بأركان النهي ، ولم يذكر أركان الأمر وهي ست أيضا : الشهادة ، والزكاة ، والصلاة ، والصيام ، والحج ، والاغتسال من الجنابة ، وذلك لأن النهي دائم في كل زمان ومكان ، وكل الأحوال فكان التنبيه على اشتراط الدائم آكد.
وقيل : إن هذه المناهي كانت في النساء كثيرا ممن يرتكبها ، ولا يحجزهن عنها شرف النسب فخصت بالذكر لهذا ، ونحو هذا قوله صلىاللهعليهوسلم لوفد عبد القيس «وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت» (٢) فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر دون سائر المعاصي لأنها كانت شهوتهم وعادتهم ، وإذا ترك المرء شهوته من المعاصي هان عليه ترك سائرها مما لا شهوة له فيها.
ولما كان الإنسان محل النقصان لا سيما النسوان رجاهن سبحانه بقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ) أي : اسأل (لَهُنَّ اللهَ) أي : الملك الأعظم ذا الجلال والإكرام في الغفران إن وقع منهن تقصير وهو واقع ، لأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله تعالى حق قدره (إِنَّ اللهَ) أي : الذي له صفات الكمال (غَفُورٌ) أي : بالغ الستر للذنوب عينا وأثرا (رَحِيمٌ) أي : بالغ الإكرام بعد الغفران تفضلا منه وإحسانا.
وروي أن ناسا من فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم فنهاهم الله عن ذلك بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا) أي : لا تعالجوا أنفسكم أن توالوا (قَوْماً) أي : ناسا لهم قوة على ما يحاولونه فغيرهم من باب أولى (غَضِبَ اللهُ) أي : أوقع الملك الأعلى الغضب (عَلَيْهِمْ) لإقبالهم على ما أحاط بهم من الخطايا ، فهو عام في كل من اتصف بذلك يتناول اليهود تناولا أوليا (قَدْ يَئِسُوا) أي : تحققوا عدم الرجاء (مِنَ الْآخِرَةِ) أي : من ثوابها مع إيقانهم بها لعنادهم النبي صلىاللهعليهوسلم مع علمهم أنه الرسول المبعوث في التوراة (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) أي من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا أحياء.
وقيل : من أصحاب القبور بيان للكفار ، أي : كما يئس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة ، إذ تعرض عليهم مقاعدهم من الجنة لو كانوا آمنوا ، وما يصيرون إليه من النار فيتبين لهم قبح حالهم ، وسوء منقلبهم. وما قاله البيضاوي تبعا للزمخشري من أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة الممتحنة كان له المؤمنون والمؤمنات شفعاء يوم القيامة» (٣) حديث موضوع.
__________________
(١) انظر الحاشية السابقة.
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان حديث ٥٣ ، ومسلم في الأشربة حديث ١٩٩٥ ، والنسائي في الأشربة حديث ٥٦٤١ ، وابن ماجه في الأشربة حديث ٣٤٠١.
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٥٢١.