(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : ادّعوا الإيمان (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) حتى ختمها. قال عبد الله : «فقرأها علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى ختمها ، قال أبو سلمة : قرأها علينا عبد الله بن سلام حتى ختمها ، قال يحيى فقرأها علينا أبو سلمة فقرأها علينا أبو يحيى ، فقرأها علينا الأوزاعي ، فقرأها علينا محمد فقرأها علينا الدرامي. انتهى. ولي بقراءتها سند متصل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم». وقال عبد الله ابن عباس : قال عبد الله بن رواحة : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملناه فلما نزل الجهاد كرهوه. وقال الكلبي : قال المؤمنون : يا رسول الله لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه فنزل (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الصف : ١٠] فمكثوا زمانا يقولون : لو نعلمها لاشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين ، فدلهم الله تعالى عليها بقوله تعالى : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) [الصف : ١١] الآية ، فابتلوا يوم أحد ففروا فنزلت الآية هذه تعييرا لهم بترك الوفاء.
وقال محمد بن كعب : لما أخبر الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم بثواب شهداء بدر. قالت الصحابة : اللهم اشهد لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا ، ففروا يوم أحد فعيرهم الله تعالى بذلك. وقال قتادة والضحاك : نزلت في قوم كانوا يقولون : نحن جاهدنا وأبلينا ، ولم يفعلوا. وقيل : قد آذى المسلمين رجل ونكى فيهم ، فقتله صهيب وانتحل قتله آخر ، فقال عمر لصهيب : أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم أنك قتلته ، فقال : إنما قتلته لله ولرسوله ، فقال عمر : يا رسول الله قتله صهيب ، قال : كذلك يا أبا يحيى ، قال : نعم ، فنزلت في المنتحل. وقال ابن زيد : نزلت في المنافقين ونداؤهم بالإيمان تهكم بهم وبإيمانهم ، وكانوا يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه : إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم ، وقاتلنا فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا.
وقال القرطبي : هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي به.
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى : أنه بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ، ولا تطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة فشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة فشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) فلبثت شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة. قال ابن العربي : وهذا كله ثابت في الدين لفظا ومعنى في هذه السورة ، وأما قوله : شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ، فمعنى ذلك : ثابت في الدين فإن من التزم شيئا ألزمه شرعا. وقال القرطبي : ثلاث آيات منعتني أن أقضى على الناس (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٤٤](وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) [هود : ٨٨] و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، كلما قرضت عادت ، قلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ولا يفعلون ، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به» (١).
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ١٢٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٩.