لقوي أذن له الإمام أو نائبه لإقراره صلىاللهعليهوسلم عليها ، وهي ظهور اثنين من الصفين للقتال ، من البروز وهو الظهور ، فإن طلبها كافر سنت للقوي المأذون له للأمر بها في خبر أبي داود ، ولأن تركها حينئذ إضعافا لنا وتقوية لهم ، وإلا كرهت.
ولما ذكر تعالى الجهاد ذكر قصة موسى وعيسى عليهماالسلام تسلية لنبيه صلىاللهعليهوسلم ليصبر على أذى قومه ، مبتدئا بقصة موسى عليهالسلام لتقدمه فقال تعالى : (وَإِذْ) أي : واذكر يا أشرف الخلق إذ (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) أي : بني إسرائيل ، وقوله : (يا قَوْمِ) استعطاف لهم واستنهاض إلى رضا ربهم (لِمَ تُؤْذُونَنِي) أي : تجددون أذاي مع الاستمرار ، وذلك حين رموه بالأدرة كما مر في سورة الأحزاب ومن الأذى ما ذكر في قصة قارون أنه دس إلى امرأة تدعي على موسى الفجور ، ومن الأذى قولهم (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] وقولهم : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) [المائدة : ٢٤] وقولهم : أنت قتلت هارون ، وغير ذلك. وقوله تعالى : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية ، أي : علمتم علما قطعيا تجدده لكم كل وقت بتجدد أسبابه بما آتيتكم به من المعجزات ، والكتاب الحافظ لكم من الزيغ (أَنِّي رَسُولُ اللهِ) الملك الأعظم الذي لا كفؤ له (إِلَيْكُمْ) ورسوله يعظم ويحترم لا أنه تنتهك جلالته وتخترم ، وأنا لا أقول لكم شيئا إلا عنه ، ولا أنطق عن الهوى (فَلَمَّا زاغُوا) أي : عدلوا عن الحق بمخالفة أوامر الله تعالى وبإيذائه. وقرأ حمزة بالإمالة والباقون بالفتح (أَزاغَ اللهُ) أي : الملك الذي له الأمر كله (قُلُوبَهُمْ) أي : أمالهم عن الهدى على وفق ما قدره في الأزل (وَاللهُ) أي : الذي له الحكمة البالغة لأنه المستجمع لصفات الكمال (لا يَهْدِي) أي : بالتوفيق بعد هداية البيان (الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي : العريقين في الفسق الذين لهم قوة المحاولة ، فلم يحملهم على الفسق ضعف فاحذروا أن تكونوا مثلهم في العزائم فتساووهم في عقوبات الجرائم ، وهذا تنبيه على عظيم إيذاء الرسل حتى إن أذاهم يؤدي إلى الكفر وزيغ القلوب عن الهدى.
ثم ذكر القصة الثانية بقوله تعالى : (وَإِذْ) أي : واذكر يا أشرف المرسلين إذ (قالَ عِيسَى) ووصفه بقوله (ابْنُ مَرْيَمَ) ليعلم أنه من غير أب وثبتت نبوته بالمعجزات (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) فذكرهم بما كان عليه أبوهم من الدين وما أوصى به بنيه من التمسك بالإسلام ، ولم يقل : يا قوم ، كما قال موسى عليهالسلام ؛ لأنه لا أب له فيهم وإن كانت أمه منهم ، فإن النسب إنما هو من جهة الأب ، وأكد لإنكار بعضهم فقال (إِنِّي رَسُولُ اللهِ) أي : الملك الأعظم (إِلَيْكُمْ) أي : لا إلى غيركم (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) أي : قبلي (مِنَ التَّوْراةِ) التي تعلمون أن الله تعالى أنزلها على موسى عليهالسلام ، وهي أول الكتب التي نزلت بعد الصحف وحكم بها النبيون ، فتصديقي لها مع تأييدي بها مؤيد ، لأن ما أقمت من الدلائل حق ومبين أنها دليلي فيما لم أنسخه منها ، كما يستدل بما قدمه من الإعلام ويراعيه ببصره. وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان والكسائي بالإمالة محضة ، وقرأ حمزة ونافع بين بين بخلاف عنه عن قالون ، والباقون بالفتح (وَمُبَشِّراً) في حال تصديقي للتوراة (بِرَسُولٍ) أي : إلى كل من شملته الربوبية (يَأْتِي مِنْ بَعْدِي) أي : يصدق بالتوراة. فكأنه قيل : ما اسمه؟ قال : (اسْمُهُ أَحْمَدُ) والمعنى : أرسلت إليكم في حال تصديقي ما تقدمني من التوراة ، وفي حال تبشيري برسول يأتي من بعدي يعني أن ديني التصديق بكتب الله تعالى وأنبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر.