فإن قيل : بم انتصب مصدقا ومبشرا ، أبما في الرسول من معنى الإرسال أم بإليكم؟.
أجيب : بأنه بمعنى الإرسال لأن إليكم صلة للرسول فلا يجوز أن يعمل شيئا لأن حروف الجر لا تعمل بأنفسها ، ولكن بما فيها من معنى الفعل ، فإذا وقعت صلات لم تتضمن معنى فعل فمن أين تعمل.
وعن كعب : أن الحواريين قالوا لعيسى : يا رسول الله هل بعدنا من أمة؟ قال : نعم أمة أحمد حكماء علماء أبرار أتقياء ، كأنهم من الفقه أنبياء ، يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى الله منهم باليسير من العمل. وعن حبيش بن مطعم قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي» (١) وقد سماه الله تعالى رؤوفا ورحيما. وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «اسمي في التوراة أحيد لأني أحيد أمتي عن النار ، واسمي في الزبور الماحي محى الله بي عبدة الأوثان ، واسمي في الإنجيل أحمد ، وفي القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض» (٢) بل ذكر بعض العلماء أنه له ألف اسم. قال البغوي : والألف في أحمد للمبالغة في الحمد ، وله وجهان :
أحدهما : أنه مبالغة من الفاعل ، أي : ومعناه أن الأنبياء حمادون لله تعالى ، وهو أكثر حمدا من غيره.
والثاني : أنه مبالغة من المفعول ، أي : ومعناه أن الأنبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة ، وهو أكثر مبالغة وأجمع للفضائل والمحاسن والأخلاق التي يحمد بها ا. ه. وعلى كلا الوجهين منعه من الصرف للعلمية والوزن الغالب ، إلا أنه على الاحتمال الأول يمتنع معرفة وينصرف نكرة ، وعلى الثاني يمتنع تعريفا وتنكيرا لأنه يخلف العلمية الصفة ، وإذا نكر بعد كونه علما جرى فيه خلاف سيبويه والأخفش ، وهي مسألة مشهورة بين النحاة. وأنشد حسان يمدحه وصرفه (٣) :
صلى الإله ومن يحف بعرشه |
|
والطيبون على المبارك أحمد |
أحمد بدل أو بيان للمبارك ، وأما محمد فمنقول من صفة أيضا ، وهو في معنى محمود ولكن في معنى المبالغة والتكرار ، فأحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة. قال القرطبي : كما أن المكرم من أكرم مرة بعد مرة ، وكذلك الممدح ونحو ذلك : واسم محمد مطابق لمعناه ، والله سبحانه وتعالى سماه قبل أن يسمي به نفسه ، فهذا علم من أعلام نبوته ، وكان اسمه صادقا عليه فهو محمود في الدنيا لما هدي إليه ونفع به من العلم والحكمة ، وهو محمود في الآخرة بالشفاعة. فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ ، ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد حمد ربه فنبأه وشرفه ، فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى فقال : اسمه
__________________
(١) أخرجه البخاري في المناقب حديث ٣٥٣٢ ، ومسلم في الفضائل حديث ٢٣٥٤ ، والترمذي في الأدب حديث ٢٨٤٠ ، والدارمي في الرقاق باب ٥٩ ، وأحمد في المسند ٤ / ٨٠ ، ٨١ ، ٨٤ ، ٦ / ٢٥.
(٢) أخرجه ابن حجر في لسان الميزان ٥ / ١٠٨٧ ، بلفظ : «اسمي في التوراة والشمس وضحاها».
(٣) البيت من الطويل ، وهو في ديوان حسان بن ثابت ص ١٣٢.