أحمد ، وذكره موسى عليهالسلام حين قال له ربه : تلك أمة أحمد ، فقال : اللهم اجعلني من أمة محمد. فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمد ، لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له ، فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل.
وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه فيكون أحمد الناس لربه ، ثم يشفع فيحمد على شفاعته ، فدل ذلك على أنه صلىاللهعليهوسلم أشرف الأنبياء فاتحا لهم وخاتما عليهم. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة بفتح الياء ، والباقون بالسكون
وقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ) يحتمل أن يعود فيه الضمير لأحمد ، أي : جاء الكفار ، واقتصر على ذلك الجلال المحلي ، ويحتمل عوده لعيسى ، أي : جاء لبني إسرائيل (بِالْبَيِّناتِ) أي : من المعجزات العظيمة التي لا يسوغ لعاقل إلا التسليم لها ، ومن الكتاب المبين (قالُوا) أي : عند مجيئها من غير نظرة لتأمل (هذا) أي : المأتي به من البينات ، أو الآتي بها على المبالغة (سِحْرٌ) فكانوا أول كافر به ، لأن هذا وصف لهم لازم سواء بلغهم ذلك أم لا (مُبِينٌ) أي : في غاية البيان في سحريته. وقرأ حمزة والكسائي بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء ، وهذه القراءة مناسبة للتفسير الثاني ، والباقون بكسر السين وسكون الحاء ، وهذه مناسبة للتفسير الأول.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))
(وَمَنْ) أي : لا أحد (أَظْلَمُ) أي : أشد ظلما (مِمَّنِ افْتَرى) أي : تعمد (عَلَى اللهِ) أي : الملك الأعلى (الْكَذِبَ) أي : بنسبة الشريك والولد إليه ، ووصف آياته بالسحر ، ووصف أنبيائه بالسحرة (وَهُوَ) أي : والحال أنه (يُدْعى) أي : من أي داع كان (إِلَى الْإِسْلامِ) أي : الذي هو أحسن الأشياء فإن له فيه سعادة الدارين ، فيجعل مكان إجابته افتراء الكذب على الله تعالى : (وَاللهُ) أي : الذي له الأمر كله فلا أمر لأحد معه (لا يَهْدِي الْقَوْمَ) أي : لا يخلق الهداية في قلوب من فيهم قوة المجادلة للأمور الصعاب (الظَّالِمِينَ) أي : الذين يخبطون في عقولهم خبط من هو في الظلام.
(يُرِيدُونَ) أي : يوقعون إرادة ردهم للرسالة بافترائهم (لِيُطْفِؤُا) أي : لأجل أن يطفئوا (نُورَ اللهِ) أي : الملك الذي لا شئ يكافئه (بِأَفْواهِهِمْ) أي : بما يقولون من كذب لا منشأ له غير الأفواه ، لأنه لا اعتقاد له في القلوب.
تنبيه : الإطفاء هو الإخماد يستعملان في النار وفيما يجري مجراها من الضياء والظهور ، ويفرق بين الإطفاء والإخماد من حيث إن الإطفاء يستعمل في القليل ، فيقال : أطفأت السراج ، ولا يقال : أخمدت السراج ، وفي هذه اللام أوجه : أحدها : أنها تعليلية كما مر ، ثانيها : أنها مزيدة في