مفعول الإرادة ، وقال الزمخشري : أصله يريدون أن يطفئوا كما في سورة التوبة ، وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة توكيدا له ، لما فيها من معنى الإرادة في قولك : جئتك لإكرامك ، كما زيدت اللام في : لا أب لك تأكيدا لمعنى الإضافة في لا أباك.
قال الماوردي : وسبب نزول هذه الآية ما حكاه عطاء عن ابن عباس : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يوما ، فقال كعب بن الأشرف : يا معشر يهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه وما كان ليتم أمره ، فحزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية» (١) ، واتصل الوحي بعدها واختلف في المراد بالنور ، فقال ابن عباس : هو القرآن ، أي : يريدون إبطاله وتكذيبه بالقول. وقال السدي : الإسلام ، أي : يريدون رفعه بالكلام. وقال الضحاك : إنه محمد صلىاللهعليهوسلم ، أي : يريدون هلاكه بالأراجيف وقال ابن جريج : حجج الله تعالى ودلائله ، يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم. وقيل : إنه مثل مضروب ، أي : من أراد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيلا ممتنعا ، كذلك من أراد إطفاء الحق (وَاللهُ) أي : الذي لا مدافع له لتمام عظمته (مُتِمُّ نُورِهِ) فلا يضره ستر أحد له بتكذيبه ولا إرادة إطفائه ، وزاد ذلك بقوله تعالى : (وَلَوْ كَرِهَ) أي : إتمامه له (الْكافِرُونَ) أي : الراسخون في جهة الكفر المجتهدون في المحاماة عنه.
(هُوَ) أي : الذي ثبت أنه جامع لصفات الكمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) أي : الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته ، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى (بِالْهُدى) أي : البيان الشافي بالقرآن والمعجزة (وَدِينِ الْحَقِ) أي : والملة الحنيفية (لِيُظْهِرَهُ) أي : يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع (عَلَى الدِّينِ) أي : جنس الشريعة التي ستجعل ليجازى من يسلكها ومن يزغ عنها بما يشرع فيها من الأحكام (كُلِّهِ) فلا يبقى دين إلا كان دونه ، وانمحق به وذل أهله ذلا لا يقاس به ذل (وَلَوْ كَرِهَ) أي : إظهاره (الْمُشْرِكُونَ) أي : المعاندون في كفرهم الراسخون في سلك المعاندة.
فإن قيل : قال أولا : (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ،) وقال ثانيا : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ،) فما الحكمة في ذلك؟.
أجيب : بأنه تعالى أرسل رسوله ، وهو من نعم الله تعالى ، والكافرون كلهم في كفران النعم سواء فلهذا قال (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) لأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك فالمراد من الكافرين هنا اليهود والنصارى والمشركون ، فلفظ الكافر أليق به. وأما قوله تعالى : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فذلك عند إنكارهم التوحيد وإصرارهم عليه ، لأنه صلىاللهعليهوسلم في ابتداء الدعوة أمر بالتوحيد بلا إله إلا الله فلم يقولوها ، فلهذا قال : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.)
واختلف في سب نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أقروا بالإيمان (هَلْ أَدُلُّكُمْ) أي : وأنا المحيط علما وقدرة فهي إيجاب في المعنى ، ذكر بلفظ الاستفهام تشريفا ليكون أوقع في النفس (عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أي : مؤلم فقال مقاتل : نزلت في عثمان بن مظعون قال : «يا رسول الله لو أذنت لي طلقت خولة ، وترهبت واختصيت ، وحرمت
__________________
(١) انظر القرطبي في تفسيره ١٨ / ٨٥.