اللحم ، ولا أنام بليل أبدا ، ولا أفطر بنهار أبدا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إن من سنتي النكاح ، ولا رهبانية في الإسلام إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله ، وخصاء أمتي الصوم ، ولا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ، ومن سنتي أنام وأقوم وأفطر وأصوم فمن رغب عن سنتي فليس مني ، فقال عثمان : والله لوددت يا رسول الله أيّ التجارة أحب إلى الله تعالى فأتجر فيها ، فنزلت» (١) وقيل : أدلكم ، أي : سأدلكم ، والتجارة : الجهاد ، قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [التوبة : ١١١] الآية ، وهذا خطاب لجميع المؤمنين. وقيل : نزل هذا حين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملنا به. قال البغوي : وجعل هذا بمنزلة التجارة لأنهم يربحون بها رضا الله تعالى ، ونيل جنته والنجاة من النار وقرأ ابن عامر بفتح النون وتشدد الجيم ، والباقون بسكون النون وتخفيف الجيم.
ثم بين سبحانه تلك التجارة بقوله تعالى : (تُؤْمِنُونَ) أي : تدومون على الإيمان (بِاللهِ) أي : الذي له جميع صفات الكمال ، وعلى هذا فلا ينافي ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وقيل : المراد من هذه الآية المنافقون وهم الذين آمنوا في الظاهر ، وقيل : أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة (وَرَسُولِهِ) الذي تصديقه آية الإذعان للعبودية (وَتُجاهِدُونَ) بيانا لصحة إيمانكم على سبيل التجديد والاستمرار (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : الملك الأعظم الذي لا أمر لغيره (بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وقدم الأموال لعزتها في ذلك الزمان ، ولأنها قوام الأنفس فمن بذل ماله كله لم يبخل بنفسه ، لأن المال قوامها. وقال القرطبي : ذكر الأموال أولا لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق (ذلِكُمْ) أي : الأمر العظيم من الإيمان وتصديقه بالجهاد (خَيْرٌ لَكُمْ) أي : من أموالكم وأنفسكم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي : إن كان يمكن أن يتجدد لكم علم في وقت فأنتم تعلمون أن ذلك خير لكم ، فإذا علمتم أنه خير أقبلتم عليه فكان لكم به أمر عظيم ، وإن كانت قلوبكم قد طمست طمسا لا رجاء لصلاحه فصلوا على أنفسكم صلاة الموت.
وقوله تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ) فيه أوجه :
أحدها : أنه مجزوم على جواب الخبر بمعنى الأمر ، أي : آمنوا وجاهدوا.
والثاني : أنه مجزوم في جواب الاستفهام ، كما قاله الفراء.
والثالث : أنه مجزوم بشرط مقدر ، أي : إن تؤمنوا يغفر لكم. قال القرطبي : وأدغم بعضهم فقرأ يغفر لكم ، والأحسن ترك الإدغام فإن الراء متكرر قوي فلا يحسن الإدغام في اللام ، لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف ا. ه. وتقدم في آخر سورة البقرة مثل ذلك للزمخشري والبيضاوي ورد عليهما (ذُنُوبَكُمْ) أي : يمحو أعيانها وآثارها كلها (وَيُدْخِلْكُمْ) أي : بعد التزكية بالمغفرة رحمة لكم (جَنَّاتٍ) أي : بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي : من تحت أشجارها وغرفها وكل منتزه فيها (الْأَنْهارُ) فهي لا تزال غضة زهراء لم يحتج هذا الأسلوب إلى ذكر الخلود لإغناء ما بعده عنه ، ودل على الكثرة المفرطة في الدور بقوله في صيغة منتهى الجموع (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) روى
__________________
(١) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥ / ٢٨٦ ، ٩ / ٣٥٥ ، وأخرجه أحمد في المسند ٣ / ٨٢ ، ٢٦٦ ، بلفظ : «عليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام» ، وأخرجه الدارمي في النكاح باب ٣ ، بلفظ : «إني لم أؤمر بالرهبانية».