الحسن قال : «سألت عمران بن حصين ، وأبا هريرة عن قوله تعالى : (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) فقالا : على الخبير سقطت سألنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنها فقال : «قصر من لؤلؤة في الجنة في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء ، في كل دار سبعون بيتا من زبرجدة خضراء ، في كل بيت سبعون سريرا ، في كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش سبعون امرأة من الحور العين ، في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام ، في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة فيعطي الله تعالى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله» (١)(فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي : بساتين هي أهل للإقامة بها لا يحتاج في إصلاحها إلى شيء خارج يحتاج في تحصيله إلى الخروج عنها له ، قال حمزة الكرماني في كتابه «جوامع التفسير» : هي أي جنات عدن قصبة الجنان ومدينة الجنة أقربها إلى العرش (ذلِكَ) أي : الأمر العظيم جدا (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي : السعادة الدائمة الكبيرة ، وأصل الفوز الظفر بالمطلوب.
ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليهم في الآخرة بشرهم بنعمته في الدنيا بقوله تعالى : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) أي : ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى عاجلة محبوبة ، وفي تحبونها تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل. وقوله تعالى : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) أي : الذي أحاطت عظمته بكل شيء خبر مبتدأ مضمر ، أي : تلك النعمة أو الخصلة الأخرى نصر من الله (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) أي : غنيمة في عاجل الدنيا قيل : فتح مكة قال الكلبي : هو النصر على قريش ، وقال ابن عباس : يريد فتح فارس والروم. وقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) عطف على محذوف مثل قل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* وَبَشِّرِ ،) أو على يؤمنون فإنه في معنى الأمر كأنه قال آمنوا وجاهدوا أيها المؤمنون ، وبشرهم يا أشرف الرسل بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أقروا بذلك (كُونُوا) أي : بغاية جهدكم (أَنْصارَ اللهِ) أي : لدينه ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو أنصارا بالتنوين وجر اللام من الاسم الجليل وترقيقها ، والباقون بغير تنوين وتفخيم اللام. (كَما) أي : كونوا لأجل أني ندبتكم أنا بقولي من غير واسطة ولذذتكم بخطابي مثل ما كان الحواريون أنصار الله حين (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) حين أرسلته إلى بني إسرائيل ناسخا لشريعة موسى عليهالسلام (لِلْحَوارِيِّينَ) أي : خلص أصحابه وخاصته منهم (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي : المحيط بكل شيء أي : انصروا دين الله تعالى مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى عليهالسلام من أنصاري إلى الله ، أي : من ينصرني مع الله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ) معلمين إنهم جادون في ذلك جدا لا مزيد عليه لعلمهم أن أجابته إجابة الله تعالى ، لأنه لا ينطق عن الهوى فليس كلامه إلا عن الله تعالى : (نَحْنُ) أي : بأجمعنا وكانوا اثني عشر رجلا ، وهم أول من آمن بعيسى (أَنْصارَ اللهِ) أي : الملك الأعلى القادر على تمام نصرنا ، ولو كان عدونا كل أهل الأرض.
ولما كان التقدير ثم دعوا كل من خالفهم من بني اسرائيل وبارزهم تسبب عنهم قوله تعالى : (فَآمَنَتْ) أي : به (طائِفَةٌ) أي : ناس منهم أهل الاستدارة لما لهم من الكثرة (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ)
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣ / ٢٥٧ ، وابن الجوزي في الموضوعات ٣ / ٢٥٢.