الله وأتى بما دون من ، قال الجلال المحلي : تغليبا للأكثر ، ويحتمل أن يكون المراد بالسماء جهة العلو فيشمل السماء وما فيها ، وبالأرض جهة السفل فيشمل الأرض وما فيها (الْمَلِكِ) أي : الذي ثبت له جميع الكمالات ، فهو ينصر من يشاء من جنده ولو كان ذليلا فيصبح ظاهرا (الْقُدُّوسِ) أي : المنزه عما لا يليق به ، وعن إحاطة أحد من الخلق بعلمه وإدراك كنه ذاته فليس في أيدي الخلق إلا التردد في شهود أفعاله والتدبير لمفاهيم نعوته وجلاله وأحقهم بالقرب والعداد في حزبه المتخلق بأوصافه على قدر اجتهاده ، فينبغي للمؤمن التنزه عن أن يقول ما لا يفعل ، أو يبني شيئا من أموره على غير إحكام (الْعَزِيزِ) أي : الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء (الْحَكِيمِ) أي : الذي يوقع كل ما أراد في أحكم مواقعه وأتمها وأتقنها.
(هُوَ) أي : وحده (الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) أي : العرب لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرؤون ، والأمي : من لا يقرأ ولا يكتب (رَسُولاً مِنْهُمْ) أي : من جملتهم أميا مثلهم ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، وما من حي من العرب إلا وله صلىاللهعليهوسلم فيهم قرابة ، وقد ولدوه. قال ابن إسحاق : إلا بني تغلب فإن الله تعالى طهر نبيه صلىاللهعليهوسلم منهم فلم يجعل لهم عليه ولادة ، وكان أميا لم يقرأ من كتاب ولم يتعلم صلىاللهعليهوسلم علمه الله ما لم يكن يعلم من غير تطلب ، فكانت آثار البشرية عنه مندرسة وأنوار الحقائق علية لائحة ، وذلك لئلا يتوهم الافتقار إلى الاستعانة بالكتب لأن مشاكلته لحال من بعث فيهم أقرب إلى مساواتهم له لو أمكنهم فيكون معنى عدم إمكان المساواة أدل على الإعجاز ، وبعثه إلى العرب لا ينفي بعثه إلى غيرهم لا سيما مع ما ورد فيه من صرائح الدلائل القطعية ، فذكر موضع البعث وابتداءه فتكون الغاية مطلقة تقديرها إلى عامة الخلق (يَتْلُوا) أي : يقرأ قراءة يتبع بعضها بعضا على وجه الكثرة والعلو والرفعة (عَلَيْهِمْ) مع كونه أميا مثلهم (آياتِهِ) أي : يأتيهم بها على سبيل التجدد والمواصلة ، وهي القرآن الذي أعجز الجن والإنس أن يأتوا بسورة من مثله (وَيُزَكِّيهِمْ) أي : يطهرهم من الشرك والأخلاق الرذيلة ، والعقائد الزائغة فكانت تزكيته لهم مدة حياته بنظره الشريف إليهم ، وتعليمه لهم وتلاوته عليهم ، فربما نظر الإنسان نظرة محبة فزكاه الله تعالى بها بحسب القابليات والأمور التي قضى الله تعالى أن تكون مهيآت فكان له أعشق فكان لاتباعه ألزم فكان في كتاب الله وسنته أرسخ (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) أي : القرآن المنزل عليه الجامع لكل خير ديني ودنيوي في الأولى والأخرى (وَالْحِكْمَةَ) هي غاية الحكم للكتاب في قوة فهمه والعمل به فهي العمل المزين بالعلم المتقن به ، وقال الحسن : الكتاب : القرآن ، والحكمة : السنة. وقال ابن عباس : الكتاب الخط بالقلم ، والحكمة : السنة ، لأن الخط إنما فشا في العرب بالشرع لما أمروا بالتقييد بالخط. وقال مالك بن أنس : الحكمة : الفقه في الدين (وَإِنْ) أي : والحال أنهم (كانُوا) أي : كونا هو كالجبلة لهم (مِنْ قَبْلُ) أي : قبل إرساله إليهم (لَفِي ضَلالٍ) أي : بعد عن المقصود (مُبِينٍ) أي : ظاهر في نفسه مناد لغيره أنه ضلال باعتقادهم الأباطيل الظاهرة ، وظنهم أنهم على شيء ، وعموم الجهل لهم ورضاهم به واختيارهم له.
وقوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) فيه وجهان : أحدهما : أنه مجرور عطفا على الأميين ، أي : وبعث في الآخرين من الأميين ، أي : الموجودين والآتين منهم بعدهم (لَمَّا) أي : لم (يَلْحَقُوا بِهِمْ) في السابقة والفصل والثاني : أنه منصوب عطفا على الضمير المنصوب في يعلمهم ، أي : ويعلم آخرين لما يلحقوا بهم وسيلحقون ، وكل من تعلم شريعة محمد صلىاللهعليهوسلم إلى آخر