الزمان فرسول الله صلىاللهعليهوسلم معلمه بالقوة ، لأنه أصل ذلك الخير العظيم والفضل الجسيم.
تنبيه : الذين لم يلحقوا بهم هم الذين لم يكونوا في زمنهم وسيجيئون بعدهم. قال ابن عمر وسعيد بن جبير : هم العجم ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : «كنا جلوسا عند النبي صلىاللهعليهوسلم إذ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صلىاللهعليهوسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا ، قال : وفينا سلمان الفارسي ، قال : «فوضع النبي صلىاللهعليهوسلم يده على سلمان ثم قال : «لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجل من هؤلاء» (١) وفي رواية «لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجال من فارس» (٢) أو قال : من أبناء فارس حتى تتناوله. وقال عكرمة : هم التابعون ، وقال مجاهد : هم الناس كلهم ، يعني : من بعد العرب الذين بعث فيهم محمد صلىاللهعليهوسلم. وقال ابن زيد ، ومقاتل بن حبان : هم من دخل في الإسلام بعد النبي صلىاللهعليهوسلم إلى يوم القيامة.
وروى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إن في أصلاب أمتي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب ، ثم تلا وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ» (٣) قال ابن عادل : والقول الأول أثبت. وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «رأيتني أسقي غنما سودا ، ثم أتبعتها غنما عقرا أولها يا أبا بكر ، قال : يا نبي الله أما السود فالعرب ، وأما العقر فالعجم تتبعك بعد العرب ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : كذلك أولها الملك يعني جبريل عليه الصلاة والسلام» (٤) رواه ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. (وَهُوَ) أي : والحال أنه وحده (الْعَزِيزُ) أي : الذي يقدر على كل ما أراده ، ولا يغلبه شيء فهو يزكي من يشاء ويعلمه ما أراد من أي طائفة كان ، ولو كان أجهل أهل تلك الطائفة لأن الأشياء كلها بيده (الْحَكِيمُ) فهو إذا أراد شيئا موافقا لشرعه وأمره جعله على أتقن الوجوه وأوثقها ، فلا يستطاع نقضه ومهما أراده كيف كان فلا بد من إنفاذه فلا يطاق ردة بوجه.
ولما كان هذا أمرا باهرا عظمه بقوله تعالى على وجه الاستثمار من قدرته : (ذلِكَ) الأمر العظيم الرتبة من تفضيل الرسول وقومه ، وجعلهم متبوعين بعد أن كان العرب أتباعا لا وزن لهم عند غيرهم من الطوائف (فَضْلُ اللهِ) أي : الذي له جميع صفات الكمال والفضل ما لم يكن مستحقا بخلاف الفرض (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) قال ابن عباس : حيث ألحق العجم بقريش ، وقال الكلبي : يعني الإسلام فضل الله يؤتيه من يشاء ، وقال مقاتل : يعني الوحي والنبوة.
وقيل : إنه المال ينفق في الطاعة لما روى أبو صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، فقال : وما ذاك؟ فقالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٨٩٧.
(٢) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٥٤٦ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٦١.
(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٦ / ٢٤٨ ، وابن كثير في تفسيره ٨ / ١٤٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٢١٥ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٤٥٧٢.
(٤) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٨ / ٩٣.