يوقع في زمن من الأزمان على سبيل التجديد والاستمرار فعل (ذلِكَ) أي : الأمر البعيد عن أفعال ذوي الهمم من الانقطاع إلى الاشتغال بالفاني والإعراض عن الباقي (فَأُولئِكَ) البعداء عن الخير (هُمُ الْخاسِرُونَ) أي : العريقون في الخسارة في تجارتهم ، حيث باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني ، حتى كأنهم مختصون بها دون الناس ، وذلك بضد ما أرادوا.
(وَأَنْفِقُوا) أي : ما أمرتم به من واجب أو مندوب كما قاله بعض المفسرين ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : يريد زكاة الأموال ، وهو ظاهر الأمر.
ثم إنّ الله تعالى زاد في الترغيب بالرضا منهم باليسير بقوله تعالى : (مِمَّا رَزَقْناكُمْ) أي : بعظمتنا. قال الزمخشري : من في (مِمَّا رَزَقْناكُمْ) للتبعيض ، والمراد الإنفاق الواجب ا. ه. ثم قال تعالى محذرا من الاغترار بالتسويف في أوقات السلامة : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي : يرى دلائله وأماراته وكل لحظة مرّت فهي دلائله وأماراته. قال القرطبي : وهذا دليل على وجوب تعجيل إخراج الزكاة ، ولا يجوز تأخيرها أصلا ، أي : بلا عذر ، وكذا سائر العبادات إذا دخل وقتها. وقال الرازي : وبالجملة فقوله تعالى : (لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) تنبيه على المحافظة على الذكر قبل الموت ، وقوله تعالى : (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) تنبيه على الشكر كذلك.
ولما كانت الشدّة تقتضي الإقبال إلى الله تعالى سبب عن ذلك قوله تعالى : (فَيَقُولَ) أي : سائلا في الرجعة ، وأشار إلى ترقيقها للقلوب بقوله : (رَبِّ لَوْ لا) أي : هلا ولم لا (أَخَّرْتَنِي) أي : أخرت موتي إمهالا (إِلى أَجَلٍ) أي : زمان ، وقوله (قَرِيبٍ) بين به أن مراده استدراك ما فات ليس إلا ، وقيل : لا زائدة ولو للتمني أي : لو أخرتني إلى أجل قريب (فَأَصَّدَّقَ) أي : للتزوّد في سفري هذا الطويل الذي أنا مستقبله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : تصدّقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت ، فلا تقبل توبة ولا ينفع عمل. وعنه : ما يمنع أحدكم إذا كان له مال أن يزكي ، وإذا أطاق الحج أن يحج من قبل أن يأتيه الموت ، فيسأل ربه الكرة فلا يعطاها. وعنه : أنها نزلت في مانعي الزكاة ، وو الله لو رأى خيرا ما سأل الرجعة ، فقيل له : أما تتقي الله يسأل المؤمنون الكرّة ، قال : نعم أنا أقرأ عليكم قرآنا يعني : أنها نزلت في المؤمنين ، وهم المخاطبون بها. وكذا عن الحسن : ما من أحد لم يزك ، ولم يصم ، ولم يحج إلا سأل الرجعة. وقال الضحاك : لا ينزل بأحد لم يحج ولم يؤدّ الزكاة الموت إلا وسأل الرجعة ، وعن عكرمة : نزلت في أهل القبلة.
وقيل : نزلت في المنافقين ، ولهذا نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال هذه الآية تدل على أنّ القوم لم يكونوا من أهل التوحيد ، لأنه لا يتمنى الرجوع إلى الدنيا والتأخير فيها أحد له عند الله تعالى خير في الآخرة ، أي : إذا لم يكن بالصفة المتقدمة. قال القرطبي : إلا الشهيد فإنه يتمنى الرجوع حتى يقتل لما يرى من الكرامة. وقرأ وأكون من الصالحين أي : العريقين في هذا الوصف بالتدارك أبو عمرو بواو بعد الكاف ونصب النون عطفا على فأصدّق ، والباقون بحذف الواو لالتقاء الساكنين وجزم النون.
واختلفت عبارات الناس في ذلك ، فقال الزمخشري : عطفا على محل فأصدّق ، كأنه قيل : إن أخرتني أصدق وأكن. وقال ابن عطية : عطفا على الموضع لأنّ التقدير : إن أخرتني أصدّق