قال الرازي : وجه تعلق أول هذه السورة بآخر التي قبلها ، هو أنه تعالى أشار في آخر التي قبلها إلى كمال علمه بقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) وفي أول هذه السورة إشارة إلى كمال علمه بمصالح النساء والأحكام المخصوصة بطلاقهن ، فكأنه بين ذلك الكلي بهذه الجزئيات.
وروى ابن ماجه عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلق حفصة ثم راجعها ، وعن أنس قال : طلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم حفصة فأتت أهلها ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) وقيل له : راجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك في الجنة ، ذكره الماوردي ، والقشيري. وزاد القشيري ونزل في خروجها إلى أهلها قوله تعالى : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ.)
وقال الكلبي : سبب نزول هذه الآية غضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حفصة لما أسر إليها حديثا فأظهرته لعائشة ، فطلقها تطليقة فنزلت. وقال السدي : نزلت في عبد الله بن عمر «طلق امرأته حائضا تطليقة واحدة فأمره النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يراجعها ، ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يجامع فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» (١). وهو قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) أي : في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة ، وقد قيل : إن رجالا فعلوا مثل ما فعل عبد الله بن عمر ، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعمر بن سعيد بن العاص ، وعتبة بن غزوان فنزلت الآية فيهم. وروى الدراقطني (٢) عن ابن عباس أنه قال : «الطلاق على أربعة وجوه : وجهان حلالان ، ووجهان حرامان.
فأما الحلال فأن يطلقها طاهرا عن غير جماع ، وأن يطلقها حاملا مستبينا حملها.
وأما الحرام فأن يطلقها حائضا ، أو أن يطلقها حين يجامعها لا يدري اشتمل الرحم على ولد أم لا».
تنبيه : الطلاق ينقسم إلى سني وبدعي ولا ولا ، فطلاق موطوأة ولو في دبر تعتد بأقراء سني إن ابتدأتها الأقراء عقب الطلاق ، ولم يطأها في طهر طلقها فيه أو علق طلاقها بمضي بعضه ، ولا وطئها في نحو حيض قبله ، ولا في حيض طلق مع آخره أو علق بآخره وذلك لاستعقابه الشروع في العدة وعدم الندم فيمن ذكرت ، وإلا فبدعي وإن سألته طلاقا بلا عوض وطلاق غير الموطوأة المذكورة بأن لم توطأ أو كانت صغيرة أو آيسة أو حاملا منه وخلع زوجته في زمن حيض بعوض لا سني ولا بدعي ، والبدعي حرام للنهي عنه.
وقسم جماعة الطلاق إلى واجب كطلاق المولى ، أي : واجب مخير إن لم يكن عذر ، ومعين إن كان عذر شرعي كالإحرام ، ومندوب كطلاق غير مستقيمة الحال كسيئة الخلق ، ومكروه كمستقيمة الحال ، وحرام كطلاق البدعة. وأشار الإمام إلى المباح بطلاق من لا يهواها ، ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع بها ، وروى الثعلبي من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) أخرجه البخاري في الطلاق حديث ٥٣٣٢ ، ومسلم في الطلاق حديث ١٤٧١ ، وأبو داود في الطلاق حديث ٢١٨٥ ، والترمذي في الطلاق حديث ١١٧٥ ، والنسائي في الطلاق حديث ٢٣٩٩ ، وابن ماجه في الطلاق ٢٠٢٢.
(٢) انظر سنن الدارقطني ٥ / ٤.