«إن من أبغض الحلال إلى الله الطلاق» (١) وعن علي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «تزوجوا ولا تطلقوا ، فإن الطلاق يهتز منه العرش» (٢) وعن أبي موسى قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يا معاذ ما خلق الله تعالى شيئا على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ، ولا خلق الله تعالى شيئا أبغض إليه من الطلاق» (٣) وعن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق» (٤) واختلفوا في الاستثناء في الطلاق والعتق ، فقالت طائفة بجوازه ، وهو مروي عن طاوس ، وبه قال حماد الكوفي ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي. وقال مالك والأوزاعي : لا يجوز الاستثناء في الطلاق والعتق. وقال قتادة : لا يجوز الاستثناء في الطلاق خاصة. قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول.
ولما كان نظر الشارع إلى العدة شديدا صرح بصيغة الأمر فقال تعالى : (وَأَحْصُوا) أي : اضبطوا ضبطا كأنه في إتقانه محسوس (الْعِدَّةَ) ليعرف زمان الرجعة والنفقة والسكنى ، وحل النكاح لأخت المطلقة مثلا ونحو ذلك من الفوائد الجليلة (وَاتَّقُوا) أي : في ذلك (اللهَ) أي : الملك الأعظم الذي له الخلق والأمر (رَبَّكُمْ) أي : لإحسانه في تربيتكم في حملكم علي الحنيفية السمحة ورفع جميع الآصار عنكم (لا تُخْرِجُوهُنَ) أي : أيها الرجال في حال العدة (مِنْ بُيُوتِهِنَ) أي : المسكن التي وقع الفراق فيها ، وهي مساكنهن التي يسكنها قبل العدة ، وهي بيوت الأزواج ، وأضيفت إليهن لاختصاصها بهن من حيث السكنى.
وقرأ ورش وأبو عمرو وحفص بضم الباء الموحدة ، والباقون بكسرها (وَلا يَخْرُجْنَ) أي : من بيتوهن حتى تنقضي عدتهن ولو وافق الزوج على ذلك ، وعلى الحاكم المنع منه لأن في العدة حقا لله تعالى ، وقد وجبت في ذلك المسكن. وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) مستثنى من الأول ، والمعنى إلا أن تبذو على الزوج فإنه كالنشوز في إسقاط حقها.
وقال ابن عباس : الفاحشة المبينة أن تبذو على أهل زوجها فيحل إخراجها لسوء خلقها وقال ابن مسعود : أراد بالفاحشة المبينة أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ، ثم ترد إلى منزلها. وقال قتادة : الفاحشة النشوز ، وذلك أن يطلقها على النشوز فتحوّل عن بيته. ويجوز أن يكون مستثنى من الثاني للمبالغة في النهي والدلالة على أن خروجها فاحشة هذا كله عند عدم العذر ، أما لعذر كشراء غير من لها نفقة على المفارق نحو طعام كقطن وكتان نهارا ، وغزلها ونحوه كحديثها وتأنيسها عند جارتها ليلا وترجع وتبيت ببيتها ، فإنه جائز للحاجة إلى ذلك ، وكخوف على نفس أو مال من نحو هدم وغرق وفسقة مجاورين لها وشدة تأذيها بجيران وشدة تأذيهم بها للحاجة إلى ذلك ، بخلاف الأذى اليسير إذ لا يخلو منه أحد ومن الجيران الأحماء وهم أقارب الزوج ، نعم إن اشتد أذاها بهم أو عكسه وكانت الدار ضيقة نقلهم الزوج عنها وخرج بالجيران ما لو طلبت بيت أبويها وتأذت بهما
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الطلاق حديث ٢١٧٨ ، وابن ماجه في الطلاق حديث ٢٠١٨.
(٢) أخرجه القرطبي في تفسيره ٨ / ١٤٩ ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٢ / ١٩١ ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٥ / ١٧٦٤ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ٣٦١ ، ٢ / ٤٨٢.
(٣) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ١ / ٢٧٨ ، والقرطبي في تفسيره ٣ / ١٢٦ ، ١٨ / ١٤٩ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ / ٣٦١ ، والدارقطني في سننه ٤ / ٣٥ ، وابن الجوزي في العلل المتناهية ٢ / ١٥٥.
(٤) أخرجه أبو داود في الطلاق حديث ٢١٧٧.